4 يناير 2025

د.أحمد القديدي: الذكرى العاشرة لأم ثورات الربيع: ماذا حققت تونس؟

د.أحمد القديدي

ذكرى الثورة في تونس هذه السنة كانت لها أبعاد وطنية و عربية و دولية بعد عشرة أعوام من سقوط رأس النظام و من انتقال ديمقراطي  متعثر و مثير للجدل وتونس إذ تعيش هذه الذكرى العاشرة بفخر بما أنجزه شعبها الشجاع بانتفاضته التاريخية ضدّ الاستبداد و الفساد بين 17 ديسمبر 2010 و 14 يناير 2011 تترحم على لسان المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية ومنظمات و أحزاب كثيرة  على أرواح الشهداء من الشباب و الفتيات الذين قدموا ارواحهم فداء للحرية و الكرامة وهما شعاران أساسيان من شعارات الثورة كما تعبر تونس باسم منتداها عن إكبارها  لتضحيات الجرحى و معاناتهم  المتواصلة الى اليوم وهم ما يزالون مع الأسف ينتظرون الانصاف  حيث يتقاسم المنتدى التونسي حالة الاحباط السائدة في المجتمع بسبب التأخر الحاصل في تحقيق أهداف الثورة وبسبب الانتكاسات المتكررة التي تهدد بفشل التجربة الديمقراطية برمتها والقطيعة البارزة بين الطبقة السياسية ومشاغل المواطنين.

  يقول المنتدى بلسان رئيسه الأستاذ عبد الرحمن الهذيلي: “لقد سجلنا خلال هذه العشرية وبعد تضحيات ثمينة تقدما في مجالات البناء الدستوري لمؤسسات الجمهورية الثانية و ضمان الحريات العامة وتحقيق التعددية  الحزبية وأكّدنا حيوية المجتمع المدني و نجحنا في  تنظيم انتخابات حرة و نزيهة ضمنت تداولا سلميا للسلطة منذ 2011 حصنت الي اليوم تجربة انتقال ديمقراطي سلمي  ومع ذاك لا يزال بناء المؤسسات الدستورية متعثرا في غياب المحكمة الدستورية ولا تزال تجربة اللامركزية والحكم المحلي غير مكتملة فضلا عن تواصل نضال القوى الحية في مختلف اجنحة العدالة و المجتمع المدني حماية لاستقلال القضاء و ضمانا لنزاهته . ولاتزال منظومتنا التشريعية غير ملائمة للدستور وللمواثيق والمعاهدات الدّولية الضامنة للمساواة والحقوق.”

ويضيف المنتدى: ” رغم كلّ الجهد الوطني المبذول لمواجهة الارهاب والتطرف لا تزال المجموعات الارهابية قادرة على تهديد حياة التونسيين وأمنهم ولا يزال العنف يشكل خطرا على المجتمع برمته وقد تم ذبح أحد رعاة الغنم منذ أسبوعين في جبال حدودية بين تونس و الجزائر! كما يسجل بأسف مع عدة منظمات حقوقية في المدة الأخيرة انتهاكات واضحة للحريات الفردية ونزوع نحو الحلول الأمنية في التعامل مع التحركات الاجتماعية السلمية و يستمر المنتدى في تقييم جرد السنوات العشرة فيقول: “أكدنا منذ بداية نشاطنا صلب المجتمع المدني أن الانتقال الديمقراطي الحقيقي المنسجم مع التطلعات الشعبية والمكاسب الدستورية يقتضي ضمان سياسات جديدة تقوم على مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة لكل التونسيين وهو ما يعني القطع مع منوال اقتصادي قائم على خيارات أيديولوجية نيوليبرالية أفرغت مطلب التنمية من محتواه وكرست الفوارق وأدت الى كلفة اجتماعية باهظة.

وفي مجال الخيارات التنموية يلاحظ المنتدى أن اعتماد سياسة اقتصادية همشت المناطق غير الساحلية والوسط والجنوب بكاملها بشكل لا يمكنها من الالتحاق بقاطرة التنمية وظلت على هامش أي حركية تنموية عصرية وأوكلت لها وظيفة توفير يد عاملة رخيصة ولم يتبع هذا الاعتراف الرسمي تغيير فعلي في السياسات رغم تعاقب الحكومات بينما يدرك

 

التونسيون أنه من مفارقات نهاية المرحلة الأولي للانتقال الديمقراطي والمصادقة على دستور الجمهورية الثانية هو التوافق الكامل حول دسترة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وإقرار مبدأ التمييز الإيجابي والحكم المحلي. و أمام هذا العجز الحكومي تواصلت تحركات الفئات الهشة والجهات الدّاخلية ليبلغ عدد الاحتجاجات المواطنية خلال الخمس سنوات الأخيرة 46380 احتجاجا بمعدل سنوي 9274 احتجاجا شملت أساسا مطالب اقتصادية واجتماعية (البطالة والتشغيل الهش والحق في الصحة والماء والتنمية…) 

كما عمقت حالة الإحباط لدى الشباب فشهدت بلادنا تفاقم موجات الهجرة غير النظامية التي بلغت خلال العشر سنوات الأخيرة 65657 تونسيا و تونسية وصلوا الى الضفة الشمالية للمتوسط بطريقة غير نظامية منهم 12883 خلال سنة 2020. و من جهة حقوق الإنسان فقد استمرت محاكمات نشطاء الحركات الاجتماعية وملاحقتهم حيث يتم سنويا إحالة العشرات على القضاء لتنتهي في اغلب بعدم سماع الدعوى بهدف استنزافهم في معارك جانبية  ولم تستطع الدّولة الإيفاء بتعهدات تمضيها الحكومات مع المحتجين وهو ما أضعف حظوظ إرساء الثقة بين الفئات  الاجتماعية  الضعيفة  والدولة مما قلّص  بالتالي من فرص  اندماج اجتماعي وطني وهي المؤشرات الدالة على حالة عدم الرضا الشاملة عن تقدم مسارات التحول الديمقراطي فباستثناء حرية التعبير  لا يرى التونسيون تقدما في مختلف المحاور الأخرى كالعدالة والحقوق الاجتماعية و مؤشرات التنمية.

وكتب محرر موقع (إيلاف) تعليقا على عدم الاحتفال بالذكرى فقال: ” هل يمتلك التونسي اليوم مبررات الاحتفال بثورته؟ هل تاريخ الثورة يمثل ذكرى لاستعادة طي صفحة من تاريخ تونس والانطلاق في كتابة تاريخ جديد أكثر كرامة مادية ومعنوية؟ طبعاً تداعيات «كورونا» وارتفاع عدد الإصابات والوفيات عامل مهم في غياب مظاهر الاحتفال بالذكرى العاشرة للثورة التونسية خصوصاً أن إعلان الحكومة التونسية العودة للحجْر الصحي الشامل تزامن مع تاريخ الثورة الأمر الذي يجعلنا نلاحظ بحذر شديد مدى العلاقة بين انطلاق الحجْر الصحي الشامل يوم 14 يناير ليستمر أربعة أيام وبين التخوف من المظاهرات والاحتجاجات الشعبية تعبيراً عن الغضب من ضعف المنجز طيلة العقد الأخير. فلا شيء يحدث صدفة في السياسة.  

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.