تطور الدولة المدنية في الجمهورية التشيكية
1 min readماريا الحافظ
باحثة من الجمهورية التشيكية
تم انشاء تشكوسلوفاكيا والتي كانت الجمهورية التشيكية جزء منها حتى عام 1993 عام 1918 بعد اندحار وتفكك الامبراطورية النمساوية-الهنكارية بعد الحرب العالمية الاولى باعتبارها جزء مما عرف بدول السد والتي اقيمت بمبادرة الدول الاوربية الغربية بالضد من الثورة البلشفية في روسيا وضد الاتحاد السوفياتي الذي اقيم لاحقا وعدى جمهورية تشكوسلوفاكيا يمكن اضافة بولونيا،المجر،رومانيا وبلغارية.تشكوسلوفاكيا تشكلت من لغتين بالرغم من كونهما متقاربتين جدا ولكن من قومييتين هما التشيك والسلوفاك
كلى القومتين ناضلتا من اجل الديمقراطية والمساوات في الحقوق القومية امام الامبراطورية النمساوية-الهنكارية،والتي كانت لغتها الرسمية الوحيدة هي الالمانية وكل القرارات بحق التشيك والسلوفاك قررت حسب مصالح الامبراطورية،وزعماء وقادة هذا النضال،وخاصة منهم توماش كيرك مساريك،برفسور علم الفلسفة واول رئيس الدولة المستقلة،والتي انشئت في المؤتمر الدولي وبمساعدة الولايات المتحدة الذي عقد بعد الحرب،فرض موديل اليمقراطية الامركية والذي كان ملهما آنذاك وهذا ما انعكس في تشكيل الدولة الجديدة،والتي حصلت على دستور حسب مبادئ دولة القانون المساوات امام القانون وحرية الرأى،حق التجمع والانتخاب،الحق في التعليم،مساوات جميع الكيانات القوميةبما فيها الاقليات لقد اخذ بهذه المبادئ الى حد معين باستثناء، المساوات بين القوميات .وبالرغم من ان تشكوسلوفاكيا تتكون من دولة متعددت القوميات(اضافة الى التشيك والسلوفاك عاش هناك اقلية من ثلاثة ملايين من الالمان،روس وروثانين واقلية من المجر والبولون)وجميع الاقليات كان لهم الحق المتساوي للتمثيل في البرلمان فأن السياسين آنذاك بدأو يفرضون فكرة الشعب التشكوسلوفاكي،وهذا ما لم يعجب خاصة السلوفاكين والذين كانوا في اطار الامبراطورية النمساوية-الهنكارية جزء مما عرف هنكاريا (جزء مستقل من الامبراطورية يتكون بالاساس من المجر المعاصرة) ولذلك كانو تحت اضطهاد الامبراطورية والمجرين في آن واحد وبالرغم من ان حقوقهم في الجمهورية الجديدة منصوص عليها ولكن الشعور بالضغط كان مستمرا.المشكلة الاخرى كانت متمثلة في عدم ارتياح التشيك والسلوفاك تجاه الالمان، وكانت الغالبية قد سكنت ومنذ القرن الثالث عشر في المناطق غير المأهولة،خاصة المناطق الحدودية للتشيك والسلوفاك بناء على طلب السادة آنذاك وخلال الامبراطورية النمساوية–الهنكارية اصبحوا طبقة مفضلة في جميع وظائف الدولة والعديد من الالمان اعتبروا التشيك والسلوفاك مواطنين من درجة ادنى فلاحين وخدم.وفي خلال الجمهورية التشكوسلوفاكية كان للالمان حقوق متساوية مع الاخرين ولكن عدم ارتياح الناس اليهم عموما كان مؤثرا.
أن عدم الارتياح ذاك ادى في نهاية الامر الى تفكك تشكوسلوفاكيا في عام 1938 حيث القوى الغربية فرنسا وبريطانيا العضمى وفي اطار ماعرف باتفاقية ميونيخ في الواقع باعوا الشريط الحدودي لتشكوسلوفاكيا لهتلر مقابل وعد بانه لايبدا الحرب،وبذلك وضعوا الحكومة التشكوسلوفاكية امام الامر الواقع ولم يكونوا قد تفاوضوا حول هذا الامر مسبقا مع الحكومة التشيكيوسلوفاكية لقد وطن في الشريط الحدودي عدد كبير من الالمان وقد كانت آنذاك ازمة اقتصادية حادة،وقد فضل آنذاك سكانهم الالمان الاستماع الى الدعاية النازية والتي وعدتهم بالرفاهية بعد الحاقهم بالالمانيا،وهذا بالطبع مكن هتلر من ازالة كل العقبات التي وقفت في طريقه من اجل الاستيلاء على كل تشكوسلوفاكيا عام 1939 . وفي سلوفاكيا حقق الامر بالتعاون مع دعات الاستقلال،والذين خابت آمالهم بأن وقع سلوفاكيا بالكامل تحت سلطة المانيا. وفي القسم التشكي تحول الى مايعرف الوصاية على التشيك ومورافيا.وهذا يعني الغاء كافة المؤسسات الديمقراطية وازاحة القيادات السياسية البارزة والمفكرين وجميع المثقفين واغلاق الجامعات ومؤسسات البحث العلمي،قتل اليهود والغجر في معسكرات الاعتقال،وسخرت الصناعة بالكامل من اجل المانيا ، تصدير الغالبية العظمى من المنتوج الزراعي الى المانيا وسوق جميع مواليد الشباب للعمل الالزامي في مصانع الاسلحة من اجل تجهيز الجبهات الالمانية بالاسلحة،وبالرغم من كل ذلك فأن الالمان كانوا بمواجهة يومية مع حركة المقاومة المسلحة،والذين يستشهد عدد كبير منهم كل يوم.ومن عشرة ملايين عدد سكان تشكوسلوفاكيا دفع نصف مليون مواطن حياته ثمنا ابان الاحتلال النازي.
وبعد اتفاقية ميونيخ لم يبقى لدى ممثلي التشك اي احترام او ارتياح تجاه فرنسا وبريطانيا،والسياسين الذين استطاعوا الهرب قبل الاحتلال الى الخارج بدأوا يبحثون عن الحماية في الاتحاد السوفياتي،والذي استطاع في عام 1945 من تحرير غالبية تشكوسلوفاكيا من النازيين و ولدت تشكوسلوفاكيا من جديد في حدودها القديمة،باستثناء روثينيا والتي احتلها الاتحاد السوفياتي والتي اصبحت جزء من اوكرانيا.اما الالمان التشيك والذين تعاون الغالبية العظمى منهم مع النازية تحت شعار وطن في الامبراطورية،كانوا وبالاتفاق مع القوى الغربية والاتحاد السوفياتي قد اعيد توطينهم في المانيا.
التشكيلات السوفياتية حصلت على شعبية واسعة بين المواطنين ودخل الى الحزب الشيوعي التشكوسلوفاكي،والذي عرقل في الواقع نشاط بقية الاحزاب الديمقراطية بالاشارة الى توجهاتها الغربية قبل الحرب.في عام 1946 فاز الحزب الشيوعي التشكوسلوفاكي الانتخابات وفي سنة 1948 اسقطت الحكومة آنذاك واصبح الحزب الشيوعي القوة القائدة في البلد واقامة نظام حكم حسب الموديل السوفياتي.وعنى ذلك تصفيةازالة جميع عناصر الديمقراطية والتي بنتها الجمهورية الاولى_حرية الراي(عدى الصحف الشيوعية لم يسمح باصدار الصحف وكذلك عمل بنظام الرقابة على المطبوعات ومنعت حرية التظاهر، وجزء من الاحزاب منع من مزاولة النشاط وسمح فقط لااثنين من الاحزاب عبر مايسمى الجبهة الوطنية بقيادة الحزب الشيوعي التشكوسلوفاكي ومنعوا من اي نشاط بدون موافقة الحزب وتحت قيادة الحزب كانت النقابات، جميع وسائل الانتاج،المصانع الورش الحرفية الصغيرة واممت جميع المتاجر الصغيرة،وارغم الفلاحين على التنازل عن اراضيهم والانتماء الى التعاونيات،أن الافراد المالكين،اي ملكية وليس فقط مالكي المصانع والبنوك ولكن ايضا الحرفيين والحرف البيتية الصغيرة،كانوا يعدون من المستغلين ولذلك صودرت ملكياتهم،وغالبا ماسرقت،بل انهم طردوا من بيوتهم او شققهم وارسلوا الى اعادة التربية أو الى المصانع او المناجم.اطفالهم حرموا من دخول المدارس الثانوية او العليا بسبب”الاصل الطبقي الردئ”،وقبل ان تحكم السيطرة على الحدود مع المانيا والنمسا بواسطة الاسلاك الشائكة والمكهربة ومنع كلي للسفر للخارج،تمكن عشرات الالاف من المواطنين الملاحقين والغالبية من الخبراء الناجحين من الهجرة الى البلدان الاوربية الغربية،وبهذا فأن البلد فقدت الكثير من المثقفين والخبراء والذين كانت الحاجة اليهم شديدة في البناء مابعد الحرب، وفي مكانهم في الغالب وضع مناصري الحزب الغير مؤهلين، والذين اعدت لهم دورات سريعة لا تفي بالتخصصية المطلوبة لاشغال هذه المناصب،وهذا ما ادى الى صعوبات اقتصادية اخرى.
كل تلك الظروف كانت نتيجة للتطور الدولي خلال ال50 عاما حيث ان السياسين في الاتحاد السوفيلتي والولايات المتحدة الامركية استعدو لحرب عالمية اخرى ٍ والتي تحسم تنافسهم على السيطرة على العالم.ونتيدجة لذلك لم يتساهل مع اي معارضة للسلطة،فقد كان يكفي اجتماع لاصدقاء والحديث فيه عن الاصلاح. في تشكوسلوفاكيا كان قد حكم اكثر من 250 الف واعدم نحو 500 شخص.بعد وفاة ستالين والكشف عن الاساليب الدكتاتوريىة في الاتحاد السوفيانتي حصل في تشكوسلوفاكيا بعض التخفيف والاصلاح،ولكن نظام الحكم بقي على حاله، بالرغم من ان بين الجماهير لازالوا يعتقدون بمبادئ الديمقراطية العديد من الناس كانو لايزالون مؤمنين بمستقبل الشيوعية.ولم يحاول اي احد عمليا من التغيير،وبالرغم من ذلك فان ذلك الاصلاح وذلك التخفيف قمع بتدخل القوات العسكرية السوفياتية عام 1968 واستمر الاحتلال عشرون عاما.وبعد 1968 تجددت عمليات الملاحقة وهذه المرة تركزت على مصدر معيشة الناس.في اطار الحزب الشيوعي التشكوسلوفاكي والذي كانت عضويته آنذاك تقدر بمليون ونصف المليون عضو اقيمت لجنة تحقيق العضوية وفي اي لحظة يعبر فيها عن الاستياء من الاحتلال،يفقد الشخص عضويته واذا لم يكن عاملا او مزارعا،فأنه يفقد عمله ولايسمح لاطفاله الدراسة في المدارس العليا(الجامعات).وبالرغم من كل ذلك بقيت بين الناس المعارضة ضد الحكم الفردي والحزب الواحد وتجسد ذلك في المذكرة المعارضة لعام 1977،حتى هذه المذكرة لم تكن تهدف الى قلب النظام.وبين الناس اخذ الشعور يتزايد بعدم قدرة ومقدرةالطغمةالحاكمة على تأمين الحاجات الاساسية(السكن،التجهيز)وعلى الملاحقة لكل من يتحدث عن ذلك.
ان فشل التخطيط المركزي في مجمل ماعرف بالمعسكر الاشتراكي في تأمين التطور الاقتصادي ادى وبشكل تدريجي الى التدهور العام في الاقتصاد. لقد وهذا الوضع السيء ظهر وعانى منه بالدرجة الاولى في الاتحاد السوفياتي والذي ادى في نهاية الامر الى ماعرف باعادة البناء والذي قادة الامين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف والذي اراد يحل تلك المبادئ(اعادة البناء” البرسترويكا”)ليس فقط في الاتحاد السوفياتي بل وفي جميع منظومة الدول الاشتراكية،وحيث اصدم بمعارضة شديدة من السياسين آنذاك.بعض المحليين اشارو الى ان احدى محاولاته الفاشلة ادت الى ولادة الانقلاب والذي حصل في تشكوسلوفاكيا في تشرين 1989 اثناءالوحشية في التصدي و قمع التظاهرة الطلابية في ذكرى ضحايا النازية،والتي كانت مبادرة من قبل بعض اعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي التشكوسلوفاكي والذين كانوا يهدفون الى ازاحة القيادة آنذاك،تلك التظاهرات التي ادت الى مجموعة من الاضرابات العامة ومزيد من التظاهر،وقد رفض الجيش ان يتدخل او يقمع المظاهرات،كان على قيادة الحزب الشيوعي التشكوسلوفاكي ازاء الضغط الجماهري المستمرغير القابل للتفاوض ان يستيلوا واستلم الحكومة المعارضون للنظام بقيادة فاتسلاف هافل. وفي عام 1990 صودق على دستور ديمقراطي، والذي اعادة تثبيت جميع مبادئ الجمهورية الاولى،والغيت قيادة الحزب الشيوعي التشكوسلوفاكي،وظهرت العديد من الاحزابالسياسية واقيمت الانتخابات الحرة،واصبح الناس قادرين على السفر بحرية الى الخارج، وحسبت اقيام جميع مصانع الدولة وقسمت اقيامها الى سندات والتي كان الناس يستطيعون شرائها باسعار رمزية.اما المصانع والمؤسسات الصغيرة فقد اخضعت للخصصة عبر مزادات علنية.
المشكلة كانت ان الرأسمالية تحتاج الى رأس المال،والذي من الصعوبة تواجده في حوزة المواطنين.ابان الاشتراكية لم بالامكان الكسب بل ولم يكن هناك سبب من اجل تجميعه،عدى بعض السلع الفاخرة والتي كانت قليلة في السوق ولم يكن هناك امكانية استثمارها،شراء بيت مستقل كان مسموحا فقط في اطار الجمعيات التعاونية،الشقق السكنية التعاونية كانت بشكل كبير غير كافية ( مدة الانتضار للحصول على الشقة كان 20 عاما)، الشئ الوحيد الذي كان يمكن الاستثمار به هو البيوت الريفية والبيوت على اطراف المدن السفر لقضاء العطل كان مسموحا فقط للبلدان الاشتراكية.والسفر الى الدول الرأسمالية كان مرتبطا بموافقةمنظمة الحزب الشيوعي التشكوسلوفاكي في مكان العمل وعلى اساس ماعرف وعد بالعملة الصعبة من قبل بنك الدولة وقيمة اعلاها 400 دولار. كما كانت هناك السوق السوداء للعملات القابلة للتحويل وكذلك السوق السوداء للبضائع النادرة وذات النوعيات الجيدة،اولئك الافراد هم الذين تسارعوا للاشتراك والفوز في مزادات الخصصة وهم الذين اشتروا السندات من الناس البسطاء وبذلك عملوا على سرقة وتدمير تلك المؤسسات والمصانع وحولوا المبالغ التي حصلوا عليها الى الخارج ودخل الى البلد الرأسمال الاجنبي والذي كان مربحا بالنسبة اليه شراء الكثير من الصناعات بأتفه الاسعار والتي كانت ونتيجة الاستثمار الاشتراكي السابق في اوضاع مزرية ولكن المالكين الجدد عمدوا الى افلاسها أو جعلها فروع لشركاتهم
أن تلك الفوضى استقرت تدريجيا خلال عقد التسعينات.واضافة الى ذلك حدث في عام 1993 وبموجب الاتفاق تقسيم تشكوسلوفاكيا الى جمهورتين الجمهورية التشيكية والجمهورية السلوفاكية والتي حدثت بطريقة سلمية حتى بالنسبة الى الملكية.وفي عام 2004 دخلت كلى الجمهورتين الى الاتحاد الاوربي.
لاتزال المبادئ الديمقراطية سائدة في البلد،المساوات امام القانون،حرية الرأي، حق التجمع والانتخاب،الحرية في الملكية، ولكن التطور لايسير بدون عقبات ومشاكل .نتيجة للمشاكل الاقتصادية بعد الازمة العالمية في عام 2008 ظهرت الى الوجود توجهات الى حد ما شعبوية ممثلة بالوقت الحاضر بحركة انو ANO وممثلها الرئيس رئيس الوزراء الحالي ورجل الاعمال الكبير في المجال الزراعي ومنتجاته اندري بابيش والذي تعهد بانهاء الفساد و”ادارة الدولة باعتبارها شركة”أن هذا الشعار بحد ذاته غير ديمقراطي في الشركة تسود القيادة والتي تعمل على تحقيق مصالح المساهمين وليس مصالح كل الناس. بالتاكيد هناك مشاكل كثيرة تنتظر الحل وان هناك الكثير مما يجب عمله خاصة في المجال الاقتصادي وبالتالي في المجال الاجتماعي والضمان الصحي ومستوى المعيشة بالمقارنة مع بقية بلدان الاتحاد الاوربي وخاصة منهاالمجاورة والمتقدمة ولكن الخبرة التأريخية لتشكسلوفاكيا وخاصة منها جمهوريتنا التشيكية ساعدت وتساعد على الوصول الى درجات عالية من دولة القانون والمجتمع المدني وخاصة ان الاجيال الجديدة ولدة في ظل العودة التدريجية ولكن يمكن القول والسريعة للمبادئ التي جائت بها الجمهورية الاولى في مجال حقوق الانسان دولة ديمقراطية ذات حس مرهف بالقضايا الاجتماعية والقيم الانسانية.