د. أحمد الطويلي: بين محمد فاضل الجمالي والحبيب بورقيبة وعلي البلهوان
1 min readد. أحمد الطويلي
محمد فاضل الجمالي (1903 – 1997) هذا الرجل المحبوب في تونس، الذي كان له الفضل الكبير على تونس زمن محنتها ومقاومتها الاستعمار كان رئيس وفد البعثة العراقية في منظمة الأمم المتحدة سنة 1954، وكان العراق أول دولة عربية فازت باستقلالها بين الحربين في سنة 1930 بمقتضى معاهدة عراقية بريطانية انتهى بموجبها الانتداب البريطاني على العراق ودخلت عصبة الأمم المتحدة سنة 1932، وأصبحت عضوا كاملا فيها، وكان الجمالي أحد الموقعين على تأسيس منظمة الأمم المتحدة. وحين منع الزعيم الحبيب بورقيبة من دخول مبنى المنظمة سنة 1954 للتعريف بقضية بلاده، وكانت تونس في معركة الاستقلال الحاسمة بقيادته، أدخله الجمالي ضمن وفده وعلق على صدره شارة العراق فألقى خطابا بليغا بالفرنسية زلزل به البعثة الفرنسية في منظمة الأمم المتحدة حتى انسحبت من الجلسة، وكانت فرصة من ذهب لبورقيبة ليبين المحنة التونسية طالبا تخليص بلاده من براثن الاستعمار، وترك خطابه أثرا بالغا في المنظمة الأممية.
وقال بورقيبة بعد أن ألقى خطابه وقلبه يفيض بالعرفان له ولكل من قدم لوطنه خدمة في أشد أوقاته، مسرا للجمالي: لا أنا، ولا بلادي ستنسى صنيعك هذا. وكان الجمالي قد تولى الخطط السامية بالعراق خاصة وزارة الخارجية ورئاسة مجلس نواب الشعب، وحين سقط النظام الملكي بالعراق يوم 14 جويلية 1958 في انقلاب عبد الكريم قاسم حكمت عليه المحكمة العسكرية بالإعدام ثم حول الحكم إلى المؤبد، فقام الحبيب بورقيبة بمناشدة عبد الكريم قاسم العفو عنه، والسماح له بمغادرة العراق إلى تونس فاستجاب له، وأطلق سراح الجمالي في 14 جويلية 1961. واستدعاه بورقيبة إلى الإقامة بتونس فقبل الدعوة وجاء إلى تونس سنة 1962 مرحبا به، مكرما معززا، ولاقى كل إكبار ومحبة من الشعب التونسي و الحبيب بورقيبة، وسمي شارع باسمه في العاصمة، كل ذلك اعترافا بفضله. وتولى الجمالي التدريس بالجامعة التونسية، ونشر عديد الكتب الثقافية والسياسية بتونس، وشارك في ملتقيات ثقافية وعلمية بالبلاد التونسية، وكنت أحيانا في صحبته في منابر داخل الجمهورية خاصة بالقيروان في ندواتها الإسلامية، وكان حدثني طويلا عن نضاله في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دفاعه عن القضية الفلسطينية وأطوارها خاصة عن ظروف تقسيم فلسطين، وكذلك عن دوره في مؤتمر باندونغ ودور علي بلهوان في الإعداد له.
وكان وجه من تونس سنة 1969 “رسالة مفتوحة إلى الشعب العراقي الكريم” بعد غيابه عن العراق بثماني سنوات، أهداني منها نسخة بعبارات رقيقة يعلم العراقيين فيها بحاله بتونس يقول: ” بني وطني الأعزاء (…)أحمد الله تعالى على نعمة الحياة والحرية ولبقائي على قيد الحياة لأتحدث إلى إخواني وأخواتي على اختلاف عناصرهم ومذاهبهم، على اختلاف مناصبهم ومهنهم بكل صراحة وتجرد. أؤكد لكم أيها الأعزاء بأنه لم تغمض لي عين في يوم من الأيام دون أن أفكر في أحوال العراق وما حلى به في السنوات العشر الأخيرة …” (ص 3-4).
وكان لمحمد فاضل الجمالي دور في انعقاد مؤتمر باندونغ الآسيوي والإفريقي بأندونيسيا في أفريل 1955 للدفاع عن البلدان المستعمرة ، يقول : ” إن المحرك بل الدافع الأول لعقد هذا المؤتمر هو القضية المغربية ، أي استقلال تونس والمغرب على الأخص ” وكان علي البلهوان المناضل الكبير قد ساعده في إعداده وهو إذ ذاك في مصر يعرف بقضية بلاده قد أوفده الحزب الحر الدستوري التونسي إلى القاهرة في 14 سبتمبر 1951 لينضم إلى إخوته الذين سبقوه هنالك ليشرفوا على مكتب الحزب الذي أسسه الزعيم الحبيب بورقيبة في العاصمة المعزية .
وفي سنة 1952 سافر البلهوان إلى العراق وفتح فيه مكتبا للحزب الحر الدستوري ، واضطلع في بلاد الرافدين بمهمات علمية وثقافية وسياسية فكان يدرس اللغة العربية في جامعة بغداد ودار المعلمين العليا أيضا ، وكان يخطب بالنوادي ويكتب في الصحف وارتبطت علاقة وطيدة بينه وبين محمد فاضل الجمالي الذي قدم لنا عنه شهادة ثمينة ، يقول : ” كان المرحوم الأستاذ علي البلهوان الأمين العام المساعد للحزب الحر الدستوري همزة الوصل بين حركة الكفاح التونسي من أجل الاستقلال والحكومة العراقية (…) وقد تعرف على العراق وعلى شخصياته السياسية العاملة في القضية العربية . وكان يحرص على تعبئة العراق من أجل القضية التونسية، وكانت له صلة وثقى بي شخصيا وتكونت بيننا أخوة وصداقة متينة “.
وحين رجع البلهوان إلى القاهرة كتب له الجمالي رسالة يطلب فيها منه إعانته في السعي لعقد مؤتمر باندونغ، وأجابه برسالة مطولة قال فيها: ” قمت باتصالات مع سفراء بعض الدول الآسيوية لمعرفة رأيها في ذلك الموضوع وخصوصا معالي سفير اندونيسيا بباريس عند مروره بالقاهرة، فأعلمني أنه أصبح رئيس دائرة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الاندونيسية.
ولما فاتحته بالموضوع أظهر استعداده للسعي في تحقيقه، ووعدني بأنه سيبذل قصارى جهوده لإقناع فخامة أحمد سوكارنو والحكومة الاندونيسية. أما الباكستان فسأقابل القائم بأعمال سفارتها بالقاهرة للاتصال مع حكومته ومعرفة رأيها في الموضوع ” .
ويعترف علي البلهوان بأن محمد فاضل الجمالي هو صاحب فكرة مؤتمر باندونغ يقول له في هذه الرسالة: ” ومهما تكن جهودنا فإنها تحتاج إلى تأييد منكم ومساندة بل الفكرة نفسها هي فكرتكم وأنتم أقدر الناس على تحقيقها. وإن دوركم في نجاحها هو الدور الرئيسي. ولذا فإن تونس ترجو من معاليكم أن تثبتوا قضيتها في هذه المرة كما تبنيتموها في أول أمرها. وتعملوا لتحقيق دعوة ذلك المؤتمر “. وختم الرسالة بقوله: ” إننا ننتظر رأيكم السديد لنتابع على ضوئه وبمساندتكم ما شرعنا فيه من عمل وإن تونس لا تعول عليكم وتضع أملها فيكم ” ووقع الرسالة باسمه وصفته: الأمين العام المساعد للحزب الحر الدستوري
التونسي.
وتم انعقاد المؤتمر في باندونغ باندونيسيا في 24 أفريل 1955، وترأس الجمالي الوفد العراقي، وشهر في خطابه الافتتاحي بالاستعمار الفرنسي في بلدان المغرب العربي بمراكش والجزائر وتونس.
وندد بالإرهاب الفرنسي “بدون مراعاة ولا تمييز على هذه البلدان “، وطالب بحقوق هذه الشعوب في الحرية والاستقلال، قال: ” فرنسا عضو مهم من أعضاء الأمم المتحدة يقضى عليها أن تسير على هدى مبادئ وتعاليم ميثاق الأمم المتحدة “ .
وكان علي البلهوان باتصال دائم بالجمالي، وما إن تحصلت تونس على استقلالها في 20 مارس 1956 حتى أسرع في نفس اليوم ببعث رسالة إليه يبشره فيها بالحدث السعيد ويعلمه فيها بمشاريع دولة الاستقلال وبرامجها منها إنشاء مجلس تأسيسي لإحداث دستور، ويعلمه أنه رشح نفسه لعضوية المجلس كرئيس قائمة بمنطقة الوسط الغربي، يقول: ” الآن تضاعفت مسؤولياتنا بعد أن أنقذنا هذا الوطن العربي من الاستعمار، بقي الطور الثاني من الكفاح، طور البناء والتشييد “.