بيان متحدون من أجل القدس
بسم الله الرحمن الرحيم
البيان الختاميّ للقاء الجامع الذي ينظّمه المؤتمر العربيّ العام
تحت عنوان “متّحدون من أجل القدس”
يوم الأربعاء الموافق للخامسِ من أيار/مايو 2021
بمشاركةٍ عربيّةٍ وإسلاميّةٍ ودوليّةٍ
على وقعِ تصاعدِ الاعتداءاتِ الإسرائيليّةِ على مدينةِ القدسِ المحتلّةِ، وأهلِها، ومقدّساتِها الإسلاميّةِ والمسيحيّةِ، تنادَى حشدٌ من الشخصياتِ، والهيئاتِ، والأحزابِ، العربيةِ والإسلاميةِ والدَّوليةِ إلى لقاءٍ تضامنيٍّ جامعٍ، بدعوةٍ من المؤتمرِ العربيِّ العامِ الذي يضمُّ المؤتمرَ القوميَّ العربيَّ، والمؤتمرَ القوميَّ الإسلاميَّ، والمؤتمرَ العام للأحزابِ العربيةِ، ومؤسسةَ القدسِ الدَّوليةَ، والجبهةَ العربيةَ التقدّميةَ، واللقاءَ اليساريَّ العربيَّ، تحت عنوانِ “متّحدون من أجلِ القدس”، وبعد مناقشاتٍ مكثّفةٍ، تطرّقَتْ إلى سياساتِ الاحتلالِ الجائرةِ ضدَّ البشرِ، والحجرِ، والمقدّساتِ في القدسِ، وإلى أفكارٍ ومقترحاتٍ لنصرةِ المدينةِ وأهلِها، أصدرَ المشاركون في اللقاءِ البيانَ الختاميَّ الآتي:
- نباركُ للمقدسيّين انتصارَهم على الاحتلالِ الإسرائيليِّ ومستوطنيه في هبة بابِ العمودِ التي فجّرَها المقدسيون منذ بدايةِ شهر رمضانَ الجاري، وقد منعوا فيها الاحتلالَ من التقدُّمِ نحو فرضِ السيطرةِ الكاملةِ على ساحةِ بابِ العمودِ الحيويةِ. وهذه الهبّةُ البطوليّةُ ليستْ بحجمِ ساحةٍ في القدسِ فقط، بل بحجمِ القدسِ كلِّها، وبحجمِ المعركةِ الشاملةِ عليها وفيها. ونثمّنُ المشاركةَ الفاعلةَ في دعمِ هبةِ المقدسيينَ للشعبِ الفلسطينيِّ في الأراضي الفلسطينيةِ المحتلةِ عام 1948، وفي الضفة الغربيةِ، وقطاعِ غزةَ، وفي أماكنِ اللجوءِ المختلفةِ، ونعتزُّ بمشهدِ التضامنِ والتفاعلِ مع القدسِ الذي رسمَه أحرارُ الشعوبِ العربيةِ والإسلامية وأحرارُ العالمِ، ونؤكدُ أنَّ ما حصلَ في انتصارِ هبّةِ بابِ العمودِ، وما رافقَه من تضامنٍ وتفاعلٍ محليٍّ وإقليميٍّ ودَوليٍّ يمثِّلُ انعكاسًا حقيقيًّا لصلابةِ إرادةِ الفلسطينيّين، وتصميمِهم على الدفاعِ عن حقوقِهم، وقوةِ احتضانِ الأحرارِ من مختلفِ البلدانِ والأديانِ والأعراقِ لقضيةِ القدسِ العادلةِ.
- توقّفَ المشاركون عند جريمةِ التطهيرِ والتهجيرِ التي ينوي الاحتلالُ الإسرائيليُّ تنفيذَها في حيِّ الشيخ جرّاح في القدس؛ إذ يسلِّطُ على أهالي الحيِّ المقدسيّين سيفَ إخلاءِ بيوتِهم، وطردِهم منها، لتسليمِها إلى المستوطنينَ المحتلّينَ، ويدعو المشاركون أهلَ القدسِ وكلَّ فلسطينيٍّ يستطيعُ الوصولَ إلى حيِّ الشيخ جرّاح إلى نصبِ خيامِ الاعتصاماتِ المفتوحةِ في الحيِّ، بهدفِ تحويلِها إلى مكانٍ يجمعُ الفلسطينيّين والمتضامنين من أحرارِ العالمِ في برامجَ تضامنيّةٍ يوميّةٍ تعرقلُ مخططَ التهجيرِ الإسرائيليَّ. ويناشدُ المشاركون أحرارَ العالمِ المؤمنينَ بعدالةِ قضيةِ القدسِ إلى تكثيفِ مشاركتِهم في صدِّ خطرِ التهجيرِ إلى جانبِ الفلسطينيّين المدافعين عن حيِّ الشيخ جرّاح وأهلِه، ويدعونهم إلى الضغطِ على حكوماتِهم لممارسةِ أقصى الضغوطِ على الاحتلالِ لثنيِه عن اقترافِ جريمةِ التهجيرِ الجماعيِّ في حيّ الشيخ جرّاح. وتعهّدَ المشاركون بمواصلةِ الجهودِ لإحداثِ تفاعلٍ شعبيٍّ عربيٍّ وإسلاميٍّ ودوليٍّ يتعاظمُ يومًا بعد يومٍ، بهدفِ إيصالِ رسالةٍ للمقدسيّين أنهم ليسوا وحدَهم، وللاحتلالِ بأنَّ جريمتَه لن تُقابَل بصمتٍ وعجزٍ.
- ناقشَ المشاركون خطورةَ الاقتحامِ الكبيرِ للمسجدِ الأقصى الذي ينوي المستوطنون المتطرفون تنفيذَه يومَ العاشرِ من شهرِ أيار/مايو الجاري الموافقِ للثامنِ والعشرينَ من شهرِ رمضانَ الجاري، ويؤكد المشاركون أنَّ الفلسطينيّين لهم الحقّ وهم قادرون على الوصولِ إلى المسجدِ الأقصى للرباطِ فيه في هذا اليومِ، والتصدّي للمستوطنين المقتحمين، ويدعو المشاركون الفلسطينيّين ممن لا يستطيعون الوصولَ إلى الأقصى إلى التجمعِ في أقربِ نقطةٍ منه، والاشتباكِ مع قواتِ الاحتلالِ بكلِّ الوسائلِ الممكنةِ؛ لأنَّ التجاربَ السابقةَ تؤكدُ أنّ الاحتلالَ لا يتراجعُ عن تنفيذِ اعتداءاتٍ كبيرةٍ على المسجدِ الأقصى إلا حين يشعرُ بأنَّ هناك ثمنًا من أمنِه سيدفعُه إذا تمادى على حرمةِ المسجدِ الأقصى. وكما أثبتتِ المقاومةُ الفلسطينيةُ في قطاعِ غزةَ أنّها جنبًا إلى جنبٍ مع أبطالِ القدسِ الذين حققوا انتصارَ هبة باب العمودِ، فهي اليوم مدعوّةٌ إلى استنفارِ أبطالِها للقيامِ بكلِّ ما يلزمُ لمنعِ الاحتلالِ ومستوطنيه من تنفيذِ الاقتحامِ المتوقعِ. ولأنَّ المسجدَ الأقصى ذو مكانةٍ عاليةٍ في الوجدانِ العربيِّ والإسلاميِّ، يدعو المشاركون شعوبَ الأمةِ العربيةِ والإسلاميةِ إلى تكثيفِ الفعالياتِ الداعمةِ للمسجدِ الأقصى، والمدافعين عنه من مرابطين وحرّاسٍ. أمّا أحرارُ العالم فهم مدعوّون كذلك إلى الضغطِ بكلِّ الوسائلِ لمنعِ الاحتلالِ من ممارسةِ سياساتٍ غيرِ قانونيةٍ تتعارضُ مع مفهومِ الوضعِ التاريخيِّ القائمِ الذي أقرّت به المنظماتُ الدوليةُ، والذي ينصُّ على حصريةِ حقِّ دائرةِ الأوقافِ الإسلاميةِ في إدارةِ شؤونِ المسجدِ الأقصى.
- يطالبُ المشاركون الحكوماتِ العربيةَ والإسلاميةَ، وحكوماتِ العالمِ بالقيامِ بدورِها الواجبِ عليها، لجهةِ وقفِ اعتداءاتِ الاحتلالِ على المقدسيين في مختلفِ أحيائِهم، وخاصةً حيَّ الشيخ جرّاح المهددَ بالإخلاءِ والتهجيرِ، وكذلك بذلُ أقصى الجهودِ لمنعِ المستوطنين من تنفيذِ اقتحامِ المسجدِ الأقصى في الثامنِ والعشرينَ من رمضانَ، ويحمّلُ المشاركون جزءًا من مسؤوليةِ ما يجري في القدسِ من اعتداءاتٍ إسرائيليةٍ للحكوماتِ المتقاعسةِ عن نصرةِ القدسِ، والمتورطةِ معه بعلاقاتٍ تطبيعيّةٍ آثمةٍ جرّأت الاحتلالَ على مزيدٍ من التغوّلِ على المدينةِ المقدّسةِ، وكشفتْ ظهرَ المقدسيينَ وطعنتْهم وهم في ميدانِ المواجهةِ المفتوحةِ مع الاحتلالِ.
- يدعو المشاركون المنظماتِ الحقوقيّةَ، والنِّقاباتِ، والاتحاداتِ، والروابطَ، والهيئاتِ، والأحزابَ، ووسائلَ الإعلامِ والإعلاميينَ، والنخبَ الثقافيةَ، وعلماءَ الدينِ، والقُوى الشبابيةَ، والهيئاتِ النسائيةَ، في الأمةِ العربيةِ والإسلاميةِ والعالمِ إلى رفعِ الصوتِ عاليًا في وجهِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ، وتقديمِ الدعمِ المعنويِّ والماديِّ والسياسيِّ، وتنظيمِ الفعالياتِ المتواصلةِ في مختلفِ الدولِ، وإطلاقِ الحملاتِ المستمرةِ، فالاحتلال الإسرائيليُّ أخوفُ من أنْ يغامرَ بتصعيدِ اعتداءاتِه إذا وجدَ موجةً عالميةً عارمةً تقفُ له بالمرصادِ، وتسعى إلى عزلِه وملاحقتِه ومحاسبتِه وكشفِ حقيقةِ جرائمِه أمام شعوب العالمِ.
- يوجّهُ المشاركون نداءً مفتوحًا إلى الأشقاءِ في الأردن قيادةً وشعبًا للتحرّك العاجلِ في كلّ الاتجاهاتِ لمنعِ حصولِ جريمةِ التهجيرِ في حيّ الشيخ جرّاح، ومنع تنفيذِ اقتحامِ الثامنِ والعشرينَ من رمضان، ومن المعلوم أنّ الأردن يملكُ أوراقَ قوةٍ مؤثرةً بين يديْه، أهمّها أنّه طرفٌ أساسيٌّ في الاتفاقِ الذي تمَّ مع أهاليّ حيّ الشيخ جرّاح عام 1956 لتوفيرِ المسكنِ لهم؛ إذ منحتِ الحكومةُ الأردنيّةُ الأرضَ التي بُنيَتْ عليها بيوتُ ثماني وعشرين عائلةً من أهالي الحيّ لاحقًا لسكانِ الحيّ بالاتفاقِ مع الأونروا التي أخذتْ على عاتقِها بناءَ البيوتِ بعد توفُّرِ الأرضِ. والأردن كذلك هو الجهةُ الوحيدةُ التي يحقُّ لها الإشرافُ على شؤونِ المقدساتِ الإسلاميةِ والمسيحيةِ، وفي مقدّمتِها المسجدُ الأقصى، وهذا منصوصٌ عليه في القوانينِ الدوليةِ. هاتان الورقتان تمكّنان الأردن من الذهابِ عاجلًا إلى المحكمةِ الجنائيةِ الدوليةِ، وكلِّ منظماتِ الأممِ المتحدةِ والمنظماتِ والمحاكمِ الدوليةِ لرفعِ دعاوى ضدَّ الاحتلالِ الإسرائيليِّ، ومن المعلومِ أنَّ هذا الاحتلالَ يتأذّى كثيرًا من هكذا خطواتٍ إذا تمَّ إنجازُها بجِدّيةٍ وإصرارٍ.
- يوصي المشاركون بإنشاءِ صندوقٍ شعبيٍ لدعمِ القدسِ يُشرِف عليه شخصياتٌ وطنيةٌ وروحيةٌ موثوقةٌ من القدسِ، ويطالبون الحكوماتِ العربيةَ بتنفيذِ القراراتِ السابقةِ الصادرةِ عن اجتماعاتِ الجامعةِ العربيةِ، وخاصةً قرارَيْ إنشاءِ صندوقٍ للقدسِ وصندوقٍ للأقصى، ويطالبون الجهاتِ الرسميةَ والقانونيةَ في العالمِ بمتابعةِ القضايا القضائيةِ ضدّ الاحتلالِ، فهي قضايا رابحةٌ وعادلةٌ.
ختامًا، إنَّ القدسَ ليستْ مجردَ مدينةٍ، بل هي قضيةٌ تجسّدُ العدالةَ المجروحةَ في هذا العالمِ، وهي الجامعةُ للأوفياءِ لها في أكنافِ عدالتِها، والرافعةُ للعاملين لها إلى أسمى مراتبِ الحريةِ والنضالِ والشرفِ، ونصرتُها قدرٌ ثابتٌ علينا ويشرّفُنا، لا اختيارٌ قابلٌ للتبدُّلِ والتحوّلِ، ونحن ملتزمون بعهدِ بذلِ غايةِ الوسعِ في سبيلِ إنقاذِها من براثنِ الاحتلالِ، وتتويجِها بتاجِ الحريةِ التي يبقى معناها منقوصًا في هذا العالمِ من دونِ أنْ تنالَ القدسُ حريتَها.
عاشتِ القدسُ، عاشَ أهلُها الصامدون، عاشت انتصاراتُهم، عاشَ أوفياءُ القدسِ العاملون لإنقاذِها أينما كانوا.