28 ديسمبر 2024

الوفــد والدستـور مائوية الحركة الحزبية العربية (1920 – 2020)

سناء(مدللة‭(‬بنضو‭ ‬

يتطلع‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬إلى‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬الى‭ ‬جدلية‭ ‬العلاقات‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬الوثيقة‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬خلال‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬نقطة‭ ‬مفصلية‭ ‬هي‭ ‬سنة‭ ‬1920،‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬ولادة‭ ‬الحزبين‭ ‬السياسيين‭ ‬الأعرق‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬وهما‭ ‬حزب‭ ‬الوفد‭ ‬المصري‭ ‬وحزب‭ ‬الدستور‭ ‬التونسي،‭ ‬فقد‭ ‬شكلت‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬اختزالا‭ ‬مكثفا‭ ‬لصلات‭ ‬التأثير‭ ‬والتأثر‭ ‬بين‭ ‬مركزين‭ ‬حضاريين‭ ‬عريقين،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬تحولا‭ ‬جذريا‭ ‬للاجتماع‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬وتطويرا‭ ‬نوعيا‭ ‬لوسائل‭ ‬الكفاح‭ ‬الوطني‭ ‬ضد‭ ‬المستعمر‭ ‬الأنجليزي‭ ‬والفرنسي‭ ‬وتمهيدا‭ ‬لإقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬المستقلة‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬حوارات‭ ‬أجريتها‭ ‬مع‭ ‬شخصيات‭ ‬سياسية‭ ‬من‭ ‬العائلتين‭ ‬الوفدية‭ ‬المصرية‭ ‬والدستورية‭ ‬التونسية،‭ ‬وشخصيات‭ ‬فكرية‭ ‬وأكاديمية‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬السياسي‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭ ‬لمصر‭ ‬وتونس،‭ ‬توقفت‭ ‬عند‭ ‬أسرار‭ ‬نشأة‭ ‬الحزبين‭ ‬عقب‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬ودور‭ ‬المؤسسين‭ ‬الزعيم‭ ‬سعد‭ ‬زغلول‭ ‬باشا‭ ‬والزعيم‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الثعالبي،‭ ‬ومدى‭ ‬استلهام‭ ‬الحالة‭ ‬التونسية‭ ‬من‭ ‬الحالة‭ ‬المصرية،‭ ‬ثم‭ ‬الملابسات‭ ‬التي‭ ‬سبقت،‭ ‬والأحداث‭ ‬التي‭ ‬ستلي‭ ‬تلك‭ ‬النقطة‭ ‬المفصلية‭ ‬حتى‭ ‬بلوغ‭ ‬البلدين‭ ‬استقلالهما‭ ‬التام‭ ‬وتحولهما‭ ‬عن‭ ‬الملكية‭ ‬إلى‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

تشكل‭ ‬هذه‭ ‬الحوارات‭ ‬التي‭ ‬أجريتها‭ ‬مع‭ ‬شخصيات‭ ‬مصرية‭ ‬وتونسية،‭ ‬وأخرى‭ ‬عربية‭ ‬ودولية،‭ ‬مادة‭ ‬أرشيفية‭ ‬خصبة،‭ ‬تثريها‭ ‬اكثر‭ ‬مادة‭ ‬تلفزيونية‭ ‬وسينمائية‭ ‬وفوتوغرافية‭ ‬وصحفية‭ ‬متاحة‭ ‬للباحثين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يساعد‭ ‬اي‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬على‭ ‬التوفيق‭ ‬في‭ ‬خطه‭ ‬بين‭ ‬الجدية‭ ‬العلمية‭ ‬المطلوبة،‭ ‬كما‭ ‬بمقدوره‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬عديد‭ ‬المفاجآت‭ ‬و‭ ‬الاكتشافات،‭ ‬خصوصا‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬مدى‭ ‬عمق‭ ‬التأثير‭ ‬والتأثر‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬فمنذ‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬وإلى‭ ‬غاية‭ ‬ثورات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬صدى‭ ‬فيما‭ ‬يجري‭ ‬ورجع‭ ‬الصدى‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وتونس،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬شديدة‭ ‬الإثارة‭.‬

لقد‭ ‬تأسست‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مملوك‭ ‬عثماني‭ ‬هو‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬باشا،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬مماثلا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للدولة‭ ‬التونسية‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬حسين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬التركي،‭ ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬مصر‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬محاولات‭ ‬إصلاحية‭ ‬حثيثة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أسرة‭ “‬الخديوي‭”‬،‭ ‬كما‭ ‬شهدت‭ ‬تونس‭ ‬إصلاحات‭ ‬مشابهة‭ ‬في‭ ‬ظل
‭ ‬أسرة‭ “‬الباي‭”. ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬ذلك‭ ‬القرن‭ ‬ظهر‭ ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬الأفغاني‭ ‬ورفيقه‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬بحركته‭ ‬النهضوية‭ ‬الإصلاحية،‭ ‬وعرفت‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬حركة‭ ‬نهضوية‭ ‬إصلاحية‭ ‬بقيادة‭ ‬خير‭ ‬الدين‭ ‬باشا‭ ‬ورفاقه‭ ‬الجنرالات‭ ‬والفقهاء‭ ‬الإصلاحيين‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬فقد‭ ‬تأسست‭ “‬مصر‭ ‬الفتاة‭”‬‭ ‬و‭”‬تونس‭ ‬الفتاة‭” ‬،‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬قبل‭ ‬تأسيس‭ “‬الوفد‭” ‬و‭”‬الدستور‭”‬،‭ ‬وسفر‭ ‬سعد‭ ‬زغلول‭ ‬باشا‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬لمفاوضة‭ ‬الأنجليز‭”‬،
وسفر‭ ‬الشيخ‭ ‬الثعالبي‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭ ‬لمفاوضة‭ ‬الفرنسيين‭.‬

خلال‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين،‭ ‬شهدت‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬أيضا،‭ ‬إثر‭ ‬ظهور‭ ‬الحزبين‭ ‬الوطنيين‭ ‬الكبيرين‭ ‬الوفد‭ ‬والدستور،‭ ‬حركة‭ ‬سياسية‭ ‬وفكرية‭ ‬وأدبية‭ ‬متداخلة،‭ ‬ظهر‭ ‬خلالها‭ ‬رجل‭ ‬اسمه‭ ‬قاسم‭ ‬أمين‭ ‬مطالبا‭ ‬بتحرير‭ ‬المرأة‭ ‬المصرية،‭ ‬ورجل‭ ‬اسمه‭ ‬الطاهر‭ ‬الحداد‭ ‬مطالبا‭ ‬بتحرير‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية،‭ ‬وبرزت‭ ‬في‭ ‬الساحتين‭ ‬المصرية‭ ‬والتونسية‭ ‬شخصيات‭ ‬فنية‭ ‬وأدبية‭ ‬وشعرية‭ ‬ستظل‭ ‬أسماؤها‭ ‬تتردد‭ ‬طيلة‭ ‬العقود‭ ‬اللاحقة،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬حركة‭ ‬هجرة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬إلى‭ ‬الآخر،‭ ‬حيث‭ ‬لجأ‭ ‬الشاعر‭ ‬المصري‭ ‬الكبير‭ ‬بيرم‭ ‬التونسي‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬ولجأ‭ ‬محمد‭ ‬الخضر‭ ‬حسين‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬ليتولى‭ ‬مشيخة‭ ‬الأزهر‭ ‬فيها،‭ ‬وتوجد‭ ‬عشرات‭ ‬القصص‭ ‬الطريفة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تروى‭.‬

أما‭ ‬بعد‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬الجمهوري‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬البلدين،‭ ‬سنتي‭ ‬1952‭ ‬و1957،‭ ‬فعلينا‭ ‬التوقف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬عند‭ ‬سجال‭ ‬سياسي‭ ‬وايديولوجي‭ ‬متبادل،‭ ‬انطوى‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬بين‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬وبورقيبة،‭ ‬وانسجام‭ ‬بين‭ ‬مبارك‭ ‬وبن‭ ‬علي،‭ ‬وانتقال‭ ‬للجامعة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬وسخط‭ ‬شعبي‭ ‬على‭ ‬حكم‭ ‬العائلة‭ ‬والفساد،‭ ‬انتهى‭ ‬بانتفاضة‭ ‬الشعبين‭ ‬على‭ ‬النظامين‭ ‬الحاكمين‭ ‬اللذين‭ ‬سقطا‭ ‬تباعا‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬يناير‭ ‬و25‭ ‬يناير‭ ‬2011،‭ ‬وتبادل‭ ‬بين‭ ‬المتظاهرين‭ ‬للشعارات‭ ‬والأحلام‭ ‬والأمنيات،‭ ‬فقصة‭ ‬الوفد‭ ‬والدستور‭ ‬قصة‭ ‬متجددة‭ ‬الفصول،‭ ‬كلما‭ ‬طوي‭ ‬فصل‭ ‬دشن‭ ‬البلدان‭ ‬فصلا‭ ‬جديدا‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬النكهة‭ ‬نفسها‭.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.