الوفــد والدستـور مائوية الحركة الحزبية العربية (1920 – 2020)
سناء(مدللة(بنضو
يتطلع هذا المقال إلى لفت الانتباه الى جدلية العلاقات الفكرية والسياسية الوثيقة التي ربطت بين مصر وتونس خلال التاريخ الحديث والمعاصر، من خلال التركيز على نقطة مفصلية هي سنة 1920، التي شهدت ولادة الحزبين السياسيين الأعرق في البلاد العربية، وهما حزب الوفد المصري وحزب الدستور التونسي، فقد شكلت هذه النقطة من جهة اختزالا مكثفا لصلات التأثير والتأثر بين مركزين حضاريين عريقين، ومن جهة أخرى تحولا جذريا للاجتماع السياسي في البلدين وتطويرا نوعيا لوسائل الكفاح الوطني ضد المستعمر الأنجليزي والفرنسي وتمهيدا لإقامة الدولة الوطنية المستقلة.
من خلال حوارات أجريتها مع شخصيات سياسية من العائلتين الوفدية المصرية والدستورية التونسية، وشخصيات فكرية وأكاديمية متخصصة في التاريخ السياسي الحديث والمعاصر لمصر وتونس، توقفت عند أسرار نشأة الحزبين عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، ودور المؤسسين الزعيم سعد زغلول باشا والزعيم الشيخ عبد العزيز الثعالبي، ومدى استلهام الحالة التونسية من الحالة المصرية، ثم الملابسات التي سبقت، والأحداث التي ستلي تلك النقطة المفصلية حتى بلوغ البلدين استقلالهما التام وتحولهما عن الملكية إلى الجمهورية في خمسينيات القرن العشرين.
تشكل هذه الحوارات التي أجريتها مع شخصيات مصرية وتونسية، وأخرى عربية ودولية، مادة أرشيفية خصبة، تثريها اكثر مادة تلفزيونية وسينمائية وفوتوغرافية وصحفية متاحة للباحثين، وهو ما يساعد اي واحد من هؤلاء على التوفيق في خطه بين الجدية العلمية المطلوبة، كما بمقدوره الوقوف عند عديد المفاجآت و الاكتشافات، خصوصا تلك التي تهم مدى عمق التأثير والتأثر بين البلدين، فمنذ بداية القرن التاسع عشر وإلى غاية ثورات الربيع العربي، كان ثمة صدى فيما يجري ورجع الصدى بين مصر وتونس، إلى درجة شديدة الإثارة.
لقد تأسست الدولة المصرية الحديثة عن طريق مملوك عثماني هو محمد علي باشا، وهو أمر يكاد يكون مماثلا بالنسبة للدولة التونسية الحديثة التي أسسها في بداية القرن الثامن عشر حسين بن علي التركي، وقد شهدت مصر ابتداء من القرن التاسع عشر محاولات إصلاحية حثيثة في ظل أسرة “الخديوي”، كما شهدت تونس إصلاحات مشابهة في ظل
أسرة “الباي”. وفي نهاية ذلك القرن ظهر جمال الدين الأفغاني ورفيقه محمد عبده بحركته النهضوية الإصلاحية، وعرفت تونس في ذات الوقت حركة نهضوية إصلاحية بقيادة خير الدين باشا ورفاقه الجنرالات والفقهاء الإصلاحيين. أما في مطلع القرن العشرين، فقد تأسست “مصر الفتاة” و”تونس الفتاة” ، سنوات قليلة قبل تأسيس “الوفد” و”الدستور”، وسفر سعد زغلول باشا إلى لندن لمفاوضة الأنجليز”،
وسفر الشيخ الثعالبي إلى باريس لمفاوضة الفرنسيين.
خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين، شهدت كلا من مصر وتونس أيضا، إثر ظهور الحزبين الوطنيين الكبيرين الوفد والدستور، حركة سياسية وفكرية وأدبية متداخلة، ظهر خلالها رجل اسمه قاسم أمين مطالبا بتحرير المرأة المصرية، ورجل اسمه الطاهر الحداد مطالبا بتحرير المرأة التونسية، وبرزت في الساحتين المصرية والتونسية شخصيات فنية وأدبية وشعرية ستظل أسماؤها تتردد طيلة العقود اللاحقة، وكانت هناك حركة هجرة من هذا البلد إلى الآخر، حيث لجأ الشاعر المصري الكبير بيرم التونسي إلى تونس، ولجأ محمد الخضر حسين إلى مصر ليتولى مشيخة الأزهر فيها، وتوجد عشرات القصص الطريفة في هذا السياق يمكن أن تروى.
أما بعد التحول من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري في كلا البلدين، سنتي 1952 و1957، فعلينا التوقف في هذا المجال عند سجال سياسي وايديولوجي متبادل، انطوى على خلاف بين عبد الناصر وبورقيبة، وانسجام بين مبارك وبن علي، وانتقال للجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، وسخط شعبي على حكم العائلة والفساد، انتهى بانتفاضة الشعبين على النظامين الحاكمين اللذين سقطا تباعا في 14 يناير و25 يناير 2011، وتبادل بين المتظاهرين للشعارات والأحلام والأمنيات، فقصة الوفد والدستور قصة متجددة الفصول، كلما طوي فصل دشن البلدان فصلا جديدا لا يخلو من النكهة نفسها.