الشباب ومسار اللامركزية في تونس
بقلم: ميكا هين
ترجمة: ايمان الغزي
ملخص دراسة قامت بها الباحثة في جامعة ليبزغ الألمانية لصالح المعهد العربي للديمقراطية
تذكر هذه الدراسة بظروف اندلاع ثورة الياسمين في تونس سنة 2011 و ما تضمنته مطالب المحتجين وقتها من المزيد من المشاركة السياسية و تمثيلية أفضل لهم في مراكز أخذ القرار و الدعوة إلى التوزيع العادل للثروة، ثم تتطرق إلى تاريخ ظهور مفهوم اللامركزية في تونس سنة 2014 حيث تم الاعتراف باللامركزية رسمياً كهدف وتم تعريفها في الدستور. ينصب تركيز المفهوم على تعزيز السلطات المحلية في اتخاذ القرار وإعادة تنظيم العملية السياسية بطريقة تستفيد منها الهياكل المحلية. هذه العملية لم يتم تشجيعها من قبل و المتوقع أن تدعم مختلف الجهات الفاعلة في النمو الاقتصادي والتنمية في المناطق التي تخلفت عن الركب.
تهدف هذه الورقة البحثية إلى عكس تصور المجتمع التونسي عن اللامركزية وكيفية تنفيذها. وهي مسح أجري مع 40 مواطنا تونسيا، غالبيتهم من الشباب، سئلوا عن موقفهم من إنجازات وصعوبات هذا المسار التنموي.
بعد المقدمة الأولى للمفهوم بما فيه الخلفية التاريخية والقانونية له في العالم و تونس تواصل الدراسة تقديم توقعات المواطن التونسي من اللامركزية ثم تمر للصعوبات التي تشوب مسار تأصيلها كممارسة في الواقع.
لقد دخلت اللامركزية في الخطاب العلمي منذ الخمسينيات وانتشر المفهوم على نطاق واسع خاصة في الثمانينات و يشمل الاستقرار السياسي، المساواة ، المساءلة، وتحسين عملية صنع القرار والتنسيق بين المنظمات، ويهدف إلى إعادة توزيع السلطات من المستوى الوطني إلى المستوى الجهوي و المحلي.
بالنسبة لتونس فقد كانت خاضعة للحكم العثماني وفضلت نظامًا مركزيًا كما استمرت سيطرة المركز على بقية الجهات فترة الاستعمار الفرنسي
و بعد استقلال تونس عام 1956 رأت الحكومة الحاجة إلى “إعادة بناء دولة موحدة قادرة على محاربة النظام القبلي القديم “. و حكم الحبيب بورقيبة ثلاثة عقود حتى تولي بن علي مقاليد الحكم بعد انقلاب 1987 ليحل محل الرئيس الذي كان غائبا بسبب المرض.
عينت الحكومة المركزية بقيادة بن علي سلطات محلية تقدم تقاريرها إلى وزارة الداخلية وهو ما يشير إلى التسلسل الهرمي بالإضافة إلى تقييد البلديات في إدارة الشؤون المحلية مما أدى إلى انعدام الثقة والإحباط لدى سكان الأرياف و الولايات الداخلية.
وأعقب حرق محمد البوعزيزي في سيدي بوزيد نفسه سنة 2010، احتجاجات انتشرت بسرعة في جميع أنحاء البلاد. كانت الثورة التونسية بمثابة نقطة انطلاق لما أصبح يعرف بالربيع العربي. أدت الاحتجاجات إلى الإطاحة ببن علي وإنهاء حكمه و مهدت الطريق لعملية انتقال ديمقراطي تضمنت كتابة الدستور الجديد ، أول انتخابات برلمانية ، أول انتخابات رئاسية و بلدية ديمقراطية
تقدم اللامركزية نهجًا يوفر حسب الاستطلاع بعض الحلول والإصلاحات اللازمة لتحسين عدم المساواة والتفاوت الذي يقسم تونس لأنها مقننة في الدستورالتونسي في المواد 131/135/133/139 فيما يخص
/ إدارة الموارد المحلية/ اللامركزية كقاعدة للحكم المحلي
المجالس البلدية والإقليمية بتمثيل من الشباب/
الديمقراطية التشاركية
شاركت المنظمات الدولية في تونس لجعل المشروع ناجحاً. و من بينها وكالة التعاون الألماني التي قامت بتدريب موظفين حكوميين في اطار دعم جهود اللامركزية كما كانت هناك مبادرات أخرى في مجال الحوكمة وتنفيذ السياسات.
يتألف الاستبيان من جزأين يغطي الأول أسئلة بسيطة و الثاني إجابات مكتوبة قدمت رؤى و مقترحات مهمة شملت مختلف القطاعات المعنية باللامركزية والصعوبات المتوقعة.
فيما يخص المنهجية كانت الأداة الرئيسية المستخدمة في جمع المعلومات استبيانا شمل مجالات مختلفة
تم نشر الاستبيان من خلال وسائل التواصل الاجتماعي و البريد الإلكتروني وتم توزيعه خلال مؤتمر اللامركزية والتنمية المحلية والجهوية الذي نظمه المعهد العربي للديمقراطية وكانت البيانات الشخصية الوحيدة التي تم جمعها العمر والجنس مع ضمان أن تكون مناطق من جميع أنحاء تونس ممثلة
وقع الاستفسار عن العلاقة بين بلديات المستجوبين و العاصمة و وافق 72.5٪ منهم على أن رأس المال والسياسة بعيدان عن واقع البلدية لكن 85٪ لا يعتقدون أن توزيع الخدمات متساوي بين مختلف جهات البلاد
كما أن 90٪ من المشاركين يوافقون أن بلدية أقوى تخدم السكان بطريقة أفضل.
سمح الجزء الثاني من المسح للمشاركين بالتعبير عن وجهة نظرهم و تم تناول مواضيع مختلفة
من الواضح أن مفهوم اللامركزية يوحي لدى المواطنين بتحفيز التنمية حيث أجاب بعض المشاركين على السؤال “هل تشعر أن مجتمعك سيستفيد من النظام السياسي اللامركزي؟ ” بنعم ، المجتمع اللامركزي يحقق تنمية أفضل وتقدم اقتصادي واجتماعي للمنطقة. تم ذكر التنمية الاقتصادية عدة مرات ما يؤكد أهميتها وما يتوقعه الناس من التغيير الهيكلي نحو نظام أكثر لامركزية. بالإضافة أصبح من الواضح أن المشاركين يأملون في زيادة جودة توزيع الخدمات وتحسين البنية التحتية
بصرف النظر عن التوقعات ذات الطبيعة الاقتصادية أو الهيكلية ، فإن الجانب الاجتماعي للامركزية لا ينبغي تجاهله.
فيما يخص الصعوبات على الرغم من أنه يعتقد أن اللامركزية لها تأثير إيجابي على المدى الطويل ، فقد ناقشت هذه الورقة الصعوبات التي ترافق العملية منذ تعريفها في الدستور التونسي و الجهود الناتجة لتحقيق اللامركزية عن طريق السلطات السياسية وإجراءات اتخاذ القرار على المستوى المحلي.
و قد حصلنا على إجابات عميقة يمكن قراءتها كاقتراحات وملاحظات لتحسين العملية.
نتيجة للتفاوت التنموي قد يظهر نوع من الكراهية بين الولايات لذلك يقترح “توزيع أكثر توازنا للموارد بين البلديات خاصة بالنسبة للمناطق الريفية “.
و كحل يمكن تحفيز الالتزام المحلي تحت تأثير المجتمع المدني و المنظمات التي يمكن أن تكون آلية للمواطنين لصياغة مطالبهم ونقدهم.
كخلاصة أظهرت الدراسة أن جميع المشاركين يحبذون اللامركزية.
وتتعلق توقعاتهم بتحسين مستوى العيش كما تلمس مختلف القطاعات: التنمية الاقتصادية ، توزيع الخدمات ، القطاع الصحي …
يبدو أن التونسيين يدركون وجود صعوبات لتركيز اللامركزية منها إدارة الموارد ،عدم الاستقرارالحالي للحكومة ،عدم وجود مواطنين واعين بمسؤولياتهم…
ختاما تقر الدراسة بأن بناء اللامركزية مستمر، والمشروع يتقدم في الواقع
لكن يجب استثمار المزيد لتنفيذها بالكامل لجعل التجربة التونسية أنموذجا ناجحا.