6 يناير 2025

الحزب الحر الدستوري التونسي: تاريخ حافل.. في كلمات

1 min read

أ‭. ‬رشيد‭ ‬الذوادي

تونس‭ ‬درة‭ ‬الدهر

تونس‭ ‬في‭ ‬مجالها‭ ‬الجغرافي‭ ‬والفكري‭ ‬وفي‭ ‬تراثها‭ ‬المنطوي‭ ‬والمنزوي‭ ‬حينما‭ ‬نريد‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬وتقديمها‭ ‬للغير،‭ ‬نقول‭ ‬عنها‭ ‬هي‭: ‬مرآة‭ ‬تنعكس‭ ‬عليها‭ ‬صور‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬يمتعنا‭ ‬بمذاقه‭ ‬بوصفه‭ ‬وقودا‭ ‬للوطنية‭ ‬والمشاعر‭ ‬الصادقة‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬استحضار‭ ‬ما‭ ‬نستمد‭ ‬منه‭ ‬الخلاصات‭ ‬والقصاصات‭ ‬والكلمات‭ ‬التي‭ ‬تمتزج‭ ‬مع‭ ‬الحياة،‭ ‬لنكتسب‭ ‬لها‭ ‬عمرا‭ ‬جديدا‭ ‬يعلي‭ ‬شأنها‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬العقل‭ ‬والمروءة‭ ‬وبعد‭ ‬النظر‭ ‬وسداد‭ ‬الرأي‭.‬

فتونس،‭ ‬هي‭ ‬بلد‭ ‬مغاربي،‭ ‬وعربي،‭ ‬ومتوسط،‭ ‬مرصع‭ ‬بجواهر‭ ‬العقيدة‭ ‬والكرم‭ ‬والوطنية‭ ‬الموزونة‭ ‬بميزات‭ ‬الشرع‭ ‬المحمدي،‭ ‬والحافل‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتمايز‭ ‬به‭ ‬الحاضر‭ ‬بالماضي‭.. ‬هي‭ ‬وطن‭ ‬عجيب‭ ‬يشكد‭ ‬ببهاء‭ ‬مدنه،‭ ‬وبما‭ ‬يروى‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬تأثر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬المتوسط،‭ ‬وفي‭ ‬رحاب‭ ‬الرباطات‭ ‬والمساجد‭ ‬الضخمة‭ ‬كجامعي‭ (‬عقبة‭) ‬بالقيروان‭ ‬و‭(‬الزيتونة‭) ‬بتونس‭ ‬العاصمة‭.. ‬كما‭ ‬يشدك‭ ‬أيضا‭ ‬إشعاع‭ ‬أبنائه‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الثقافة‭ ‬والتأصيل‭ ‬والسياسة‭ ‬والقضاء‭ ‬العدلي،‭ ‬والتشريع‭ ‬القانوني،‭ ‬ووضع‭ ‬القوانين‭ ‬طبق‭ ‬روح‭ ‬العصر‭ ‬وما‭ ‬يتماشى‭ ‬وعادات‭ ‬البلاد‭ ‬وأعرافها‭.‬

وتونس‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬صنع‭ ‬النهضة‭ ‬الفكرية‭ ‬والعلمية‭ ‬وفيما‭ ‬ينزع‭ ‬نحو‭ ‬سياقات‭ ‬التفكير‭ ‬السوي‭ ‬والحرية‭ ‬والإشادة‭ ‬بها،‭ ‬لها‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬قصة‭ ‬كفاح‭ ‬الإنسان‭ ‬وأدائه‭ ‬الكامل‭.‬

واكتسب‭ ‬أبناء‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬عبر‭ ‬ترحال‭ ‬الزمن‭ ‬حسن‭ ‬التصرف،‭ ‬ومسؤولية‭ ‬تدعيم‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬نافع‭ ‬ومفيد‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬تدعيم‭ ‬حق‭ ‬العروبة،‭ ‬وفهم‭ ‬مقاصد‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وصون‭ ‬كلمة‭ ‬الحق‭..‬

ورأينا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬أعلاما‭ ‬عديدين‭ ‬تضلعوا‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬والفقه‭ ‬والمعارف‭.. ‬فهذا‭ ‬فقيه‭ ‬إفريقية‭ ‬بلا‭ ‬منازع‭ ‬الإمام‭ ‬سحنون‭ ‬صاحب‭ “‬المدونة‭”.. ‬وهذا‭ ‬القاضي‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬سعيد‭ ‬التنوحي‭ ‬المولود‭ ‬بالقيروان‭ ‬عام‭ ‬202هـ‭(‬817م‭) ‬ويومها‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أقطاب‭ ‬الشريعة‭ ‬والدين‭ ‬يوم‭ ‬كان‭ ‬للقيروان‭ ‬عز‭ ‬وسؤدد‭ ‬ودار‭ ‬لطلبة‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬الكبير‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سحنون‭ ‬المتوفى‭ ‬بالساحل‭ ‬التونسية‭ ‬سنة‭ ‬256هـ‭ (‬869م‭).. ‬والرجل‭ ‬كما‭ ‬نعلم‭ ‬كان‭ ‬عالما‭ ‬مقتدرا‭ ‬حزنت‭ ‬عليه‭ ‬القيروان‭ ‬يوم‭ ‬دفنه،‭ ‬حيث‭ ‬أغلقت‭ ‬الدكاكين‭ ‬والأسواق‭ ‬أياما‭ ‬حزنا‭ ‬شديدا،‭ ‬وضربت‭ ‬القباب‭ ‬على‭ ‬قبره‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬باليل‭ ‬والنهار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬الشتاء‭ ‬البارد‭(‬1‭)..‬

وكذا‭ ‬كان‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المرب‭ ‬الذائع‭ ‬الصيت‭ ‬أبو‭ ‬الحسن‭ ‬القابسي‭ (‬935-1012م‭) ‬ولهذا‭ ‬المثقف‭- ‬كما‭ ‬روي‭ ‬عنه‭- ‬نشاط‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬والتأليف‭.‬‭. ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭ (‬مسالك‭ ‬الأبصار‭) ‬يقول‭ ‬عنه‭: “‬كان‭ ‬حافظا‭ ‬للحديث‭ ‬والعلل‭”. ‬وابن‭ ‬خلكان‭ ‬قال‭ ‬عنه‭: “‬إنه‭ ‬كان‭ ‬إماما‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الحديث‭ ‬ومتونه‭”(‬2‭)..‬

وهذا‭ ‬القلصادي،‭ ‬وابن‭ ‬خلدون،‭ ‬وابن‭ ‬رشيق،‭ ‬وعلي‭ ‬بن‭ ‬زياد‭ (‬تـ182‭-‬798م‭) ‬وأعلام‭ ‬أخر‭ ‬من‭ ‬شيوخ‭ ‬الزيتونة‭ ‬وخريجيها‭ ‬ممن‭ ‬باشروا‭ ‬التدريس‭ ‬والقضاء‭ ‬الشرعي‭ ‬ووضعوا‭ ‬القوانين‭ ‬طبق‭ ‬روح‭ ‬العصر‭ ‬كمحمد‭ ‬الفاضل‭ ‬ابن‭ ‬عاشور‭ ‬وعبد‭ ‬العزيز‭ ‬جعيط‭.‬

إذن‭.. ‬فتونس‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬التي‭ ‬خلت‭.. ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬صورتها‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬الأيام‭.. ‬هي‭ ‬وطن‭ ‬معشوق‭ ‬منذ‭ ‬العصور‭ ‬السحيقة‭.. ‬وترى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬نفسك‭ ‬وأجدادك،‭ ‬وسلسلة‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬الأثرية‭ ‬الفريدة،‭ ‬أو‭ ‬النادرة‭ ‬من‭ ‬العصور‭ ‬القديمة،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬العهود‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬مراقبة‭ ‬دائمة‭ ‬ضمن‭ ‬تواريخ‭ ‬الأجيال‭ ‬والحكام‭ ‬والقادة‭.. ‬وأيضا‭ ‬ضمن‭ ‬مراحل‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬أدت‭ ‬سياسته‭ ‬الشنيعة‭ ‬إلى‭ ‬تفقير‭ ‬الشعب،‭ ‬وإذلاله،‭ ‬والتنكيل‭ ‬به،‭ ‬ومحاولة‭ ‬تعطيل‭ ‬مساراته‭ ‬في‭ ‬التحرر‭ ‬والانعتاق‭ ‬حسب‭ ‬رغبة‭ ‬المعمرين‭ ‬وغلاة‭ ‬الاستعمار‭.‬

المقاومة‭ ‬الوطنية

والمقاومة‭ ‬الوطنية‭ ‬هي‭ ‬سلسلة‭ ‬متصلة‭ ‬الحلقات‭ ‬عبر‭ ‬فيها‭ ‬الشعب‭ ‬عن‭ ‬رفضه‭ ‬لمعاهدتي‭ (‬باردو‭) ‬و‭”‬المرسى‭)‬،‭ ‬وابتدأت‭ ‬حركات‭ ‬المقاومة‭ ‬بمعارضة‭ ‬محمد‭ ‬العربي‭ ‬زروق،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬موقفه‭ ‬مشرفا‭ ‬للتونسيين،‭ ‬وخفوا‭ ‬من‭ ‬الاضطهاد‭ ‬لجأ‭ ‬إلى‭ (‬إسطنبول‭) ‬وقضى‭ ‬بها‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬في‭ ‬نهايتها‭ ‬إلى‭ (‬المدينة‭ ‬المنورة‭) ‬وبقي‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توفي‭ ‬عام‭ ‬1902م‭.‬

وحركات‭ ‬المقاومة‭ ‬تمثلت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المظاهرات‭ ‬الشعبية‭ ‬عند‭ ‬نصب‭ ‬تماثيل‭ ‬لغلاة‭ ‬الاستعمار‭ ‬كتمثال‭ (‬جول‭ ‬فيري‭) ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬فرنسا‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬احتلال‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬عهده،‭ ‬وتمثال‭ (‬روسطان‭) ‬بمتحف‭ ‬باردو،‭ ‬وتمثال‭ (‬فيليب‭ ‬توما‭) ‬بمحطة‭ ‬المتلوي‭(‬3‭).‬

كما‭ ‬تشكلت‭ ‬المقاومة‭ ‬ضد‭ ‬قوانين‭ ‬سلطة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وتم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬أفريل‭ ‬1984‭ ‬انعقاد‭ ‬أول‭ ‬اجتماع‭ ‬شعبي‭ ‬عام‭ ‬بضريح‭ ‬الشيخ‭ ‬محرز‭ ‬بن‭ ‬خلف‭ ‬واتفق‭ ‬المجتمعون‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬تحرير‭ ‬عرضة‭ ‬قدمت‭ ‬إلى‭ ‬الباي‭ (‬علي‭ ‬الثالث‭) ‬وحرر‭ ‬هذه‭ ‬العريضة‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬السنوسي‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬صحيفة‭ (‬الرائد‭ ‬الرسمي‭ ‬التونسي‭)(‬4‭).‬

وتقمصت‭ ‬حركة‭ ‬مقاومة‭ ‬المستعمر‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬كتل‭ ‬تجمعت‭ ‬حول‭ ‬صحف‭.. ‬من‭ ‬بينها‭ (‬صحيفة‭ ‬الحاضرة‭) ‬لعلي‭ ‬بوشوشة،‭ ‬وصحيفتا‭ (‬المنتظر‭) ‬و‭(‬المبشر‭) ‬للشيخ‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الثعالبي،‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬بد‭ ‬تعطيلهما‭ ‬جريدة‭ (‬سبيل‭ ‬الرشاد‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬كبار‭ ‬من‭ ‬أدار‭ ‬هذه‭ ‬الصحف‭ ‬وكتب‭ ‬فيها‭: ‬علي‭ ‬بوشوشة،‭ ‬ومحمد‭ ‬السنوسي،‭ ‬وعلي‭ ‬كاهية،‭ ‬والبشير‭ ‬صفر،‭ ‬والشاذلي‭ ‬زروق،‭ ‬والمكي‭ ‬بن‭ ‬عزوز،‭ ‬وحسين‭ ‬بن‭ ‬عثمان،‭ ‬والهادي‭ ‬السبعي،‭ ‬وعبد‭ ‬الرحمان‭ ‬الصنادلي،‭ ‬ومحمد‭ ‬السلامي‭ ‬وأضرابهم‭(‬5‭)..‬

ثم‭ ‬وعلى‭ ‬إثر‭ ‬تأسيس‭ ‬المدرسة‭ ‬الخلدونية‭ ‬سنة‭ ‬1896‭ ‬و‭(‬الجمعية‭ ‬الرياضية‭ ‬الإسلامية‭) ‬وسفر‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الثعالبي‭ ‬1898‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬حيث‭ ‬قضى‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬هناك‭ ‬متنقلا‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وإسطنبول‭ ‬والعراق‭ ‬وغيرها،‭ ‬وإثر‭ ‬رجعوه‭ ‬سنة‭ ‬1902م‭ ‬أصدر‭ ‬علي‭ ‬باش‭ ‬حانبة‭ (‬1879-1918م‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬1904‭ ‬جريدة‭ (‬التونسي‭) ‬ومشروعها‭ ‬شكل‭ ‬تنظيما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ (‬تونس‭ ‬الفتاة‭) ‬ومن‭ ‬قادة‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬والصحيفة‭ ‬البشير‭ ‬صفر،‭ ‬ومحمد‭ ‬باش‭ ‬حانبة،‭ ‬وعلي‭ ‬بوشوشة،‭ ‬ومحمد‭ ‬الأصرم،‭ ‬وعبد‭ ‬الجليل‭ ‬الزاوش‭.. ‬والجريدة‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬صدرت‭ ‬باللغة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ثم‭ ‬أصبحت‭ ‬تصدر‭ ‬باللغتين‭ ‬العربية‭ ‬والفرنسية،‭ ‬وتولى‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الثعالبي‭ ‬تحرير‭ ‬النسخة‭ ‬العربية‭ ‬منها‭(‬6‭).‬

ومن‭ ‬هنا،‭ ‬كان‭ ‬انطلاق‭ ‬اليقظة‭ ‬بأوراقها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وتم‭ ‬صدور‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬مقاومة‭ ‬المحتل،‭ ‬وتأسست‭ ‬أحزاب‭ ‬آثرت‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬من‭ ‬بينها‭ (‬حركة‭ ‬الشباب‭ ‬التونسي‭)‬،‭ ‬ثم‭ (‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬التونسي‭) ‬بزعامة‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الثعالبي‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1920م‭.‬

والثعالبي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬مجد‭ ‬في‭ ‬النضال‭ ‬الوطني‭ ‬والفكري،‭ ‬وتأثر‭ ‬في‭ ‬شبابه‭ ‬بصفوة‭ ‬من‭ ‬المقاومين‭ ‬الإسلاميين‭ ‬والعرب،‭ ‬أمثال‭ ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬الأفغاني،‭ ‬وعبد‭ ‬الرحمان‭ ‬الكواكبي،‭ ‬وشكيب‭ ‬أرسلا،‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ (‬فليكس‭ ‬فارس‭) ‬بأنه‭ “‬روح‭ ‬جميع‭ ‬الحركات‭ ‬التحريرية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭”(‬7‭).‬

والحديث‭ ‬عن‭ ‬المجاهد‭ ‬الوطني‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الثعالبي‭ ‬يحيلنا‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ (‬الحزب‭ ‬الحر‭ ‬الدستوري‭ ‬التونسي‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مقره‭ (‬مدينة‭ ‬تونس‭) ‬وله‭ ‬فروع‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭.. ‬ومن‭ ‬أهدافه‭:‬

أ‭- ‬تحرير‭ ‬البلاد‭ ‬التونسية‭ ‬من‭ ‬العبودية‭..‬

ب‭- ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬إقرار‭ ‬دستور،‭ ‬يضمن‭ ‬للأمة‭ (‬الحكم‭ ‬الذاتي‭) ‬وفقا‭ ‬لمبادئ‭ ‬العدل‭ ‬التي‭ ‬أقرتها‭ ‬واتبعتها‭ ‬كافة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحضرة‭(‬8‭).‬

ج‭- ‬التفريق‭ ‬بين‭ ‬السلط‭ ‬التنفيذية‭ ‬والقضائية‭ ‬والتشريعية،‭ ‬لضمان‭ ‬احترام‭ ‬حرية‭ ‬الفرد‭ ‬والمسكن،‭ ‬والاجتماع‭ ‬والملكية،‭ ‬والقول‭ ‬والكتابة‭ ‬والنشر،‭ ‬وجعلها‭ ‬حقوقا‭ ‬مقدسة‭ ‬للأفراد‭.‬

والملاحظ‭ ‬أن‭ (‬الدستور‭) ‬المطالب‭ ‬بتكوينه‭ ‬يقضي‭ ‬بـ‭:‬

1‭ – ‬وجوب‭ ‬تفريق‭ ‬السلط‭. ‬

2‭ – ‬إبقاء‭ ‬السيادة‭ ‬في‭ ‬العائلة‭ ‬الحسينية‭.‬

3‭ – ‬تكوين‭ ‬حكومة‭ ‬تتركب‭ ‬من‭ ‬وزراء‭ ‬يختارهم‭ ‬من‭ ‬يعينه‭ (‬الباي‭) ‬لتشكيل‭ ‬الوزارة‭ ‬التي‭ ‬تسند‭ ‬إليه‭ ‬رئاستها‭.‬

4‭ – ‬الوزارة‭ ‬تكون‭ ‬مسؤولة‭ ‬أمام‭ (‬الجمعية‭ ‬الوطنية‭ ‬التونسية‭)..‬

5‭ – ‬الجمعية‭ ‬الوطنية‭ ‬ينتخب‭ ‬أعضاؤها‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭.‬

6‭ – ‬الناخب‭ ‬يشترط‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تونسيا‭ ‬وبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬21‭ ‬سنة‭ ‬ويتمتع‭ ‬بحقوقه‭ ‬المدنية‭.‬

ويؤكد‭ ‬الدستور‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

على‭ ‬الحكومة‭ ‬أن‭ ‬تحد‭ ‬ثمجالس‭ ‬عامة‭ ‬بمراكز‭ ‬الأعمال،‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬مجالس‭ ‬بلدية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬المملكة‭ ‬التونسية،‭ ‬وتحدث‭ ‬أيضا‭ ‬غرفا‭ ‬زراعية‭ ‬وتجارية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬التجار‭ ‬والمزارعين‭ ‬التونسيين‭(‬9‭)‬،‭ ‬وميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬تصرف‭ ‬في‭ ‬المصالح‭ ‬العامة‭ ‬التونسية‭ ‬لا‭ ‬غير‭(‬10‭).‬

ومؤسس‭ (‬الحزب‭ ‬الدستوري‭) ‬هو‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الثعالبي‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ (‬حي‭ ‬الحلفاوين‭) (‬1879-1944م‭)‬،‭ ‬ونشأة‭ ‬هذا‭ ‬الزعيم‭ ‬كما‭ ‬يذكر‭ ‬المؤرخ‭ ‬أنور‭ ‬الجندي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الثعالبي‭ ‬رائد‭ ‬الحرية‭ ‬والنهضة‭ ‬الإسلامية‭) ‬في‭ ‬ص10‭ ‬كانت‭ ‬نشأة‭ ‬وطنية‭: “‬نشأ‭ ‬وتعلم‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬جده‭ ‬عبد‭ ‬العرحمان‭ ‬الثعالبي‭ ‬القاضي‭ ‬المجاهد‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬هاجر‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬ترفعا‭ ‬واعتزازا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬للفرنسيين،‭ ‬فورث‭ ‬عنه‭ ‬أخلاقه‭ ‬العالية‭ ‬ومبادئه‭ ‬السامية،‭ ‬فحفظ‭ ‬القرآن‭ ‬بكتاب‭ (‬حومة‭ ‬الأندلس‭) ‬ودرس‭ ‬النحو‭ ‬والعقائد‭ ‬والآداب،‭ ‬ودخل‭ (‬مدرسة‭ ‬باب‭ ‬سويقة‭) ‬الابتدائية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نال‭ ‬شهادتها،‭ ‬ثم‭ ‬التحق‭ ‬بجامع‭ ‬الزيتونة‭ ‬فقضى‭ ‬فيه‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬وتخرج‭ ‬منه‭ ‬سنة‭ ‬1896‭ ‬حاملا‭ (‬شهادة‭ ‬التطويع‭)‬،‭ ‬وأخذ‭ ‬يتردد‭ ‬على‭ ‬المدرسة‭ ‬الخلدونية‭ ‬متبعا‭ ‬الدراسات‭ ‬العالية‭..”(‬11‭).‬

الثعالبي‭.. ‬المفكر

والحديث‭ ‬عن‭ ‬الثعالبي‭ ‬ينقلنا‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬منابع‭ ‬فكره‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القراءات‭ ‬الأخلاقية‭ ‬للتاريخ،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬كتاباته‭ ‬ومقالاته‭ ‬ومؤلفاته‭ ‬كـ‭: “‬تونس‭ ‬الشهيدة‭” ‬و‭”‬روح‭ ‬التحرر‭ ‬في‭ ‬القرآن‭”‬،‭ ‬فهو‭ ‬الكاتب‭ ‬المفكر‭ ‬الذي‭ ‬يتكلم‭ ‬بأفكار‭ ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬الأفغاني،‭ ‬ومحمد‭ ‬عبده،‭ ‬وعلي‭ ‬يوسف،‭ ‬والكواكبي‭.. ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬محمد‭ ‬الفاضل‭ ‬ابن‭ ‬عاشور‭.‬

وهو‭ ‬المفكر‭ ‬والرحالة‭ ‬الذي‭ ‬أحد‭ ‬ثدويا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلاد‭ ‬زارها‭.. ‬رحل‭ ‬إلى‭ ‬المشرق‭ ‬العربي،‭ ‬وزار‭ ‬الهند‭ ‬وأندونيسيا،‭ ‬وتركيا،‭ ‬وإيران،‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دولاته‭ ‬يحمل‭ ‬رسالة‭ ‬كبرى‭ ‬قوامها‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المفكر‭ ‬أنور‭ ‬الجندي‭: “‬اليقظة‭ ‬والتجمع‭ ‬والالتقاء‭ ‬الروحي‭ ‬والفكري‭ ‬للعالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وإبلاغ‭ ‬كلمة‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬المشرق‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحرية‭ ‬والكفاح‭”(‬12‭).‬

الحزب‭ ‬الحر‭ ‬الدستوري‭ ‬الجديد

والحزب‭ ‬الحر‭ ‬الدستوري‭ ‬الطي‭ ‬تجدد‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬هلال‭ ‬سنة‭ ‬1937م‭ ‬وقاده‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬التونسيين‭ ‬من‭ ‬بينهم‭: ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة،‭ ‬ومحمود‭ ‬الماطري،‭ ‬والبحر‭ ‬قيقة،‭ ‬والطاهر‭ ‬صفر،‭ ‬قاد‭ ‬حركة‭ ‬المقاومة‭ ‬ضد‭ ‬المستعمر،‭ ‬وخاض‭ ‬معارك‭ ‬شتى‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬مخططات‭ ‬النفوذ‭ ‬الفرنسي،‭ ‬كما‭ ‬واجه‭ ‬صور‭ ‬التغريب‭ ‬بكل‭ ‬أشكاله،‭ ‬وحمى‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬النجنيس‭ ‬وقادها‭ ‬إلى‭ ‬النضال،‭ ‬وإلى‭ ‬قضية‭ ‬التراب‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬وساند‭ ‬قضايا‭ ‬تحرير‭ ‬المرأة‭ ‬وأداءها‭.‬

ومن‭ ‬اهتمامات‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬وأهدافه‭ ‬حينما‭ ‬استقلت‭ ‬تونس‭ ‬عام‭ ‬1956م‭ ‬أنه‭ ‬أولى‭ ‬عنايته‭ ‬بما‭ ‬يلي‭:‬

‭* ‬أولا‭: ‬الاهتمام‭ ‬بالتعليم‭ ‬ونشره‭ ‬ودعم‭ ‬المرعفة‭ ‬والصحة‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬البلاد‭.‬

‭* ‬ثانيا‭: ‬دعم‭ ‬فكر‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬أغلال‭ ‬الفرنسية‭.‬

‭* ‬ثالثا‭: ‬عمل‭ ‬على‭ ‬تونسة‭ ‬الإدارة‭ ‬وتوجيه‭ ‬الأجيال‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشدها‭ ‬إلى‭ ‬المقومات‭.‬

هذا‭ ‬الحزب‭ ‬جابه‭ ‬معارك‭ ‬عديدة‭ ‬كـ‭: ‬أحداث‭ ‬9‭ ‬أفريل‭ ‬1938م،‭ ‬ومعركة‭ ‬التحرير‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬بخطاب‭ ‬الزعيم‭ ‬بورقيبة‭ ‬يوم‭ ‬13‭ ‬جانفي‭ ‬1952‭ ‬من‭ ‬بنزرت‭ ‬ثم‭ ‬معركة‭ ‬الجلاء‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬سنة‭ ‬1962م‭.‬

ويشهد‭ ‬التاريخ‭ ‬بأن‭ ‬زعماء‭ ‬هذا‭ ‬الحزب،‭ ‬وكوادره‭ ‬الوطنية،‭ ‬بذلوا‭ ‬كل‭ ‬جهد‭ ‬لإرساء‭ ‬تقاليد‭ ‬حققت‭ ‬أمنيات‭ ‬الزعماء‭ ‬والشهداء،‭ ‬وذكرتنا‭ ‬بآثارنا‭ ‬وبتاريخنا‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬وبما‭ ‬أحدثته‭ ‬الأقلام‭ ‬والعقول،‭ ‬للارتقاء‭ ‬بهذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭.‬

الهوامش

1‭) (‬قطائف‭ ‬الأيام‭): ‬محمد‭ ‬الصادق‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬ط‭. ‬تونس‭ ‬2019م‭ ‬ص5‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭.‬

2‭) ‬المرجع‭ ‬نفسه‭ ‬ص55‭.‬

3‭) (‬تونس‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭): ‬أحمد‭ ‬عامر‭ ‬ط‭. ‬تونس‭ ‬1960م‭ ‬ص359‭.‬

4‭) ‬المرجع‭ ‬نفسه‭ ‬ونفس‭ ‬الصفحة،‭ ‬و‭(‬أبطال‭ ‬وشهداء‭): ‬لرشيد‭ ‬الذوادي‭ ‬ط‭. ‬بنزرت‭ ‬1968‭ ‬ص16‭.‬

5‭) ‬المرجع‭ ‬نفسه‭ ‬ص361‭.‬

6‭) ‬المرجع‭ ‬نفسه‭ ‬ص363‭.‬

7‭) (‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬المعاصرة‭): ‬أنور‭ ‬الجندي‭ ‬ط‭. ‬مصر‭ ‬1965م‭ ‬ص122‭.‬

8‭) (‬تونس‭ ‬الشهيدة‭): ‬لعبد‭ ‬العزيز‭ ‬الثعالبي‭ ‬ط‭. ‬بيروت‭ ‬1984م‭ ‬ص359‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭.‬

9‭) ‬المرجع‭ ‬نفسه‭ ‬ص161‭.‬

10‭) ‬المرجع‭ ‬نفسه‭ ‬ص362‭.‬

11‭) (‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الثعالبي‭ ‬رائد‭ ‬الحرية‭ ‬والنهضة‭ ‬الإسلامية‭): ‬ط‭. ‬بيروت‭ ‬1984م‭ ‬ص10‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭.‬

12‭) (‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬المعاصرة‭): ‬أنور‭ ‬الجندي‭ ‬ص124،‭ ‬و‭(‬رواد‭ ‬الإصلاح‭: ‬رشيد‭ ‬الذوادي‭) ‬ط‭. ‬3‭ ‬مصر‭ ‬2002‭ ‬ص104‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.