عبد الحميد الجلاصي: الاتحاد العام التونسي للشغل وضرورة تمحيص السردية المهيمنة
1 min readالاستاذ عبد الحميد الجلاصي
رئيس منتدى آفاق جديدة
تهيمن سردية تكيف تاريخ المنظمة وتتعامل بانتقائية مع محطاته ، فتصورها الحصن الذي يحمي الديموقراطية و العدالة الاجتماعية ،وتخولها ،بناء على ذلك، أدوارا تتجاوز بها نتائج الانتخابات و المؤسسات الدستورية ،وتنتدبها للقيام بدور المخلص من المأزق الذي تتخبط فيه البلاد قياسا على أدوار أدتها في مراحل سابقة .
وهي سردية يروجها قياديو الاتحاد،كما يروجها مسيسون وفاعلون منبثون في مختلف مواقع التاثير يبحثون عن مظلة تعوضهم خذلان الاحزاب التي يفترض ان تعبر عنهم.
نرى ضرورة تمحيص هذه السردية للتمييز فيها ما بين حظ الحقيقة و مقتضيات الدعاية ،و لتدقيق موقع الاتحاد ان كان احد مداخل الحل (او حتى راعيا له )،او كان جزءا من الازمة و جزءا من القوى التي كشف الانقلاب واستتباعاته نهاية صلاحيتها ،على الأقل بالصيغة التي هي عليها حاليا .
▪︎ اتحاد الشغل في سياق أعادة بناء منظومة القيادة بعد الثورة:
لقد كان مطلب تحرير الدولة من كلاكل الحزب الذي تغلغل في كل مفاصلها ، وتحرير هياكل المجتمع المدني من تشوهات مرحلة الاستبداد من اكثر المهام الحاحا بعد الحدث الثوري .فقد عسر غياب فضاء للتداول والتنافس بناء أحزاب بالمعنى المتعارف عليه ،اذ لا يمكن للسياسة ان تتجاوز،في غياب التنافس، التحريض النضالي الذي تقوده تنظيمات مقاومة تعاضدها جمعيات تمثل ملاذات أمان تحميها من بطش السلطة ،ومداخل إضافية لتنويع الضغط عليها .
ولذلك فقد كان المطلب الاكثر الحاحا هو بناء فضاء سياسي حقيقي ،وذلك ب :
-أ- إعادة بناء المشهد الحزبي ونقله من سياق السرية و الاحتجاج و النضال الى أفق العلنية و البناء و البرامج ،بتجديد الرسالة والمضمون و العقلية و طرق الإدارة ومؤهلات الموارد البشرية.وهذا هو التحدي الرئيسي الذي واجه التنظيمات المناضلة بمختلف مشاربها .
-ب-وإعادة بناء الفضاء المدني وتحريره من تشوهات المرحلة السابقة واخطرها التبعية للتنظيمات الحزبية،فالأوضاع الديموقراطية تفترض الشفافية و التمايز بين الفضاءات و احترام “كراس الشروط “الخاص بكل منها، وترفض تذيل المدني للحزبي ،كما ترفض ان تكون الهيئات المدنية أحزابا سياسية متسترة.وهذا هو التحدي الذي واجه التنظيمات الجماهيرية و الهياكل القطاعية و الجمعيات المتخصصة .
واليوم لا يمكننا الا الإقرار بان فشل بناء منظومة متناسبة مع سياق “الفرصة الثورية ” وقادرة على قيادتها كان من اهم أسباب وصول المسار الديموقراطي الى أزمته الخانقة التي افضت الى الانقلاب، رغم محاولات التطوير و مساعي التجديد المحتشمة في هذا الفضاء او ذاك .
▪︎ اتحاد الشغل امام مرآة التاريخ :
ان ” اتحاد الواقع ” هو-للتذكير فقط – منظمة بشرية.
ومع التشديد على أهمية دورها في مقاومة الاستعمار ،وفي حماية الطبقة الوسطى والحد من الميول الليبرالية للسلطة،و انحيازها في محطات كثيرة لقضايا الحريات و الديموقراطية ،الا انه يجدرالتذكير ان المنظمة :
-متنوعة .
-وذات بنية هيكلية ممتدة و معقدة.
-وذات هوية مركبة تتداخل فيها الوظائف و الأدوار.
لذلك نرى ضرورة الرجوع الى التاريخ لتدقيق الصورة ،وغربلة السردية المهيمنة ولتمحيص جدارة المنظمة بالأدوار التي يدعو لهاط العديدون .
- الاتحاد قبل الثورة :
-العلاقة القلقة بالحكم :لقد مثلت المنظمة القوة الموازنة للحزب الجديد قبل الاستقلال ،ثم أصبحت شريكا له،ثم انخرطت قيادتها في نزاعات شقوق السلطة ،قبل ان يدخل بن علي قيادتها بيت الطاعة بعد سنة 1989،دون ان يخفت طلب الاستقلالية الذي عاد الى الواجهة مع مفتتح الألفية .
-الترويض الاجتماعي :لقد راهنت السلطة باستمرار على شراء ولاء النقابة بإغراق قيادتها في المواقع السياسية و التعيينات الإدارية والامتيازات المادية ،و المنافع العينية، و التفريغات النقابية، إضافة الى اعتماد آلية الاقتطاع المباشر من أجور الموظفين لتوفيرمورد قار لتمويل الميزانية .وقد افضت سياسة الترويض بالترضيات “نومنكلاتورا “نقابية تحولت بمرورالوقت الى بيروقراطية واسعة وشبكة مصالح وامتيازات في الهيئات العليا والوسطى للمنظمة متقاطعة مع تموقعات الإدارة و المؤسسات،شكلت جزءا أصيلا من شبكة المصالح الحاكمة ،ولم تكن بمنجاة عما يصيب كل البيروقراطيات من أمراض ،ولم تدخر جهدا للاستماتة في المحافظة عن مصالحها و ان غلفتها ،كما هي العادة لدي كل بني ادم ،بالشعارات الجميلة.
ولعل زاوية النظر هذه تدقق فهمنا لمدلول “المنظومة القديمة” ولمسمى “الدولة العميقة ” .
ونقدر ان دراسة حالة التفرغ للنشاط صلب الأحزاب الحاكمة والمنظمات الجماهيرية في أوضاع الانغلاق السياسي يزودنا بخلاصات شديدة الأهمية بخصوص جدية الديموقراطية الداخلية، و استقلال القرار، و ميكانيزمات حراك النخب،وتحولات مفهوم النضالية و الالتزام .
وقد يكون مفيدا مقارنة هذه الحالة بشبيهتها في التنظيمات السرية المناضلة رغم اختلاف الدوافع و الثقافة .
-الخارطة النقابية :التحق منذ منتصف السبعينات جيل نقابي شبابي جديد يساري الهوى ، ودخل في علاقة معقدة مع القيادة التاريخية ، كما التحق مع أواسط الثمانينات نقابيون إسلاميون ،لتستقر الخارطة النقابية على أربعة مكونات :القريب من الحزب الحاكم ،و المستقل (الذي سمي بالعاشوري )، واليساري بمختلف تلويناته ومنها العروبي ، والإسلامي .
غير ان التموقعات السياسية بعد سنة 1990 اثرت على موازين القوى وقيم التعايش النقابية، فقد راهن الشق اليساري المتحالف مع بن علي على استثمارالمرحلة للتموقع في الدولة و في المنظمات المجتمعية ومنها الهياكل العليا للاتحاد ، و ساهم في تطهير المنظمة من “الخوانجية ” وتواطأ مع القيادة على إغلاق أبواب الترقي الهيكلي في وجوههم وحشرهم في المواقع الدنيا ليكونوا في احسن الأحوال عنصر ترجيح في المنافسات الانتخابية ،كما حرص على صبغ المنظمة بهوية ثقافية هي اقرب لهوية التنظيمات السياسية الراديكالية منها لهوية المنظمات الجماهيرية ذات القاعدة المتنوعة
-مع تنامي الحراك السياسي المناهض لنظام بن علي أواخر التسعينات عاد موضوع استقلالية المنظمة مجددا الى الواجهة و بسببه توسعت الفجوة بين القيادة المتواطئة مع السلطة و تيار احتجاجي متموقع في القطاعات وفِي الهياكل الجهوية الوسطى هو الذي سارع بالتفاعل مع الانتفاضات التي حصلت في الحوض المنجمي(2008) و في بنقردان(2010)، ومع التمرد الثوري الذي انطلق من سيدي بوزيد في ديسمبر 2019 وكان هو احدى محركات توسعه الى بقية الجهات.
- الاتحاد بعد الثورة :
لقد مثل اتحاد الشغل الثابت الثاني في المشهد السياسي بجانب حركة النهضة طيلة كامل عشرية الثورة .ومن الضروري التذكير بهذه الحقيقة و البرهنة عليها لمواجهة حالة التفصي اللاأخلاقي التي تنتهجها القيادة النقابية والتي تغذي بسببها تقييمات عدمية لحصيلتها .
*عوامل تعزيز موقع الاتحاد :
لقد كانت مرحلة ما بعد الرجة الثورية مرجلة صراع من اجل التموقع ،وقد ساهمت عوامل عديدة في تعزيز موقع المنظمة في الوضع الجديد ،ومنها :
-الاستفادة من الفراغ الذي تركه التجمع الديموقراطي،قبل ان يعود في نسخته المعدلة بشبكاته الأكثر تنظما واهمها شبكة قدماء طلبة التجمع ،لأحكام السيطرة على الإدارات و المؤسسات والقطاعات ،ومعلوم انه كانت تتجاور فيها منذ ثمانينات القرن الماضي الشعب المهنية مع الهياكل النقابية الدنيا .
-الاستفادة من هشاشة الحكومات وعدم استقرارها وقصر مدة حكمها لتعزيز النفوذ وشراء مهادنتها مقابل الحصول على الزيادات و التسميات والتأثير في السياسات .
-استثمار هشاشة المشهد الحزبي وتنافر مكوناته واللعب على تناقضاته .
-توظيف شبكة الولاءات المنبثة في مختلف الدوائر وخاصة الاعلام للضغط على الأحزاب و الحكومات و التاثير في الراي العام .
-الاستجابة لحاجة كثير من الفاعلين الباحثين عن مظلة سياسية لتعويض الضعف الجماهيري و الثقل الانتخابي للتنظيمات اليسارية لاحداث توازن مع حركة النهضة ،بقيادة المعارضة السياسية ضدها ،وتوظيف القاعدة النقابية وسلاح الإضراب لتحقيق هذا الغرض .حدث ذلك سنوات 2012-2013 وخلال الحوارالوطني وبعده . و قد صرح الأمين العام للاتحاد أخيرا الا احد يزايد على المنظمة في التصدي للإسلام السياسي .
* دوافع سلوك المنظمة :
ساهمت دوافع كثيرة في توجيه سلوك المنظمة،منها :
-حماية شبكة المصالح :لقد بينا أعلاه ان البيروقراطية النقابية راكمت جملة من المصالح و الامتيازات و استغلت حالة الارتباك بعد جانفي 2011 لمزيد تدعيمها ،وبذلت اقصى ما تستطيع للمحافظة عليها .ولتحقيق ذلك ساهمت في تشويه الممارسة السياسية ،وفِي افراغ العملية الانتخابية من جدواها وذلك بشيطنة التعيينات المستحقة في كل ديموقراطية للفائز من اجل تحقيق برنامجه ،و بالدعوة لحكومات الكفاءات التي تستبعد الخصوم الأيديولوجيين وتفرز حكومات ضعيفة و دون ظهير قابلة لكل صيغ الابتزاز .
ان المناداة بتحييد الوزارات واثارة الضجيج حول ملف التعيينات غايته صرف النظر عما يحصل في الواقع .
وان اجراء جرد بسيط يؤكد حجم حضور المنظمة في كل التشكيلات الحكومية و في كل التعيينات، ودورها في ملفات التشغيل (البيئة ،المفروزون امنيا …) وما حصل فيها من خروقات وتجاوز للمقاييس .
-الدافع الأيديولوجي:لقد ترسخت في الهياكل العليا وفِي بيروقراطية المنظمة عقلية مؤدلجة متطرفة قريبة من عقلية اليسار الاقصائي و القوميين الانقلابيين ، تعتبرشريحة واسعة من المنخرطين دخلاء ، وهي نفسها التي تعتبرأنصار الإسلام الحركي مواطنين من درجة ثانية ،وان حسم الصراع معهم مصلحة مقدمة على غيرها من المصالح .
*مضمون سياسات الاتحاد :
لقد كانت الرجة الثورية اعلانا صارخا على عجز منظومة الحكم على تحقيق الإدماج السياسي و الاجتماعي المطلوبين من كل سلطة سياسية ، و على انسداد المنوالين السياسي و الاقتصادي /الاجتماعي، و ضرورة ابداع مناويل بديلة .
و لئن تحققت بعض الخطوات المهمة في المسار السياسي الا ان ضعف المنجز المسار الاقتصادي الاجتماعي أفقدها أهميتها عند الجمهور الواسع .
وما من شك في تحمل الأحزاب و الحكومات مسؤولية هذا الوضع ،و لكن مسؤولية المنظمة لم تكن يسيرة، وهي التي استثمرت في أضعاف الحكومات ،و تعاملت مع الإصلاحات تعاملا أيديولوجيا ،وعرقلت كل خطوة لاصلاح القطاع العام ،لانها كانت توظف عددا من مجالاته في الصراع السياسي (التربية و الصحة مثلا ) ، وتتعامل مع عدد من مؤسساته الكبرى بعقلية الغنيمة وتوظفها أدوات في الترضيات الداخلية .
- الاتحاد و الانقلاب :
لقد أخطأت قيادة المنظمة اخطاء استراتيجية في التعامل مع 25جويلية وبعده:
-فقد رحبت بالانقلاب، و راهنت على ركوبه لتحويله في تقديرها من انقلاب فردي غبي الى انقلاب جماعي ذكي، وعرضت على سعيد خبرتها التاريخية في التكتيك و المناورة.
ولذلك فان اختلافها مع سعيد كان على ارضية الانقلاب لا خارجها .
– ولقد اخطأت في قراءة شخصية سعيد وفشلت في توقع ردود افعاله (مثل غالب المشهد).
-وحكم سلوكها مزيد من الحسابات و العواطف ،منها الطمع في الحصول على دور في ركابه ،والخوف من إثارة عدد من الشبهات والملفات القانونية ،و الخشية من عرقلة المؤتمرومن تهديد الوحدة الداخلية .
-فأهدت الانقلابي زمنا ثمينا طبع به وضعه، وتدرج به في بسط نفوذه (22سبتمبر وإصدار المرسوم 117 و 13 ديسمبر و اعلان الأجندة،20مارس وإعلان منهجية إعداد الدستور،30مارس وإعلان حل مجلس النواب … ).
- الاتحاد و الاستفتاء:
-نعتبر بيان الهيئة الإدارية المؤرخ في 23 ماي 2022 كان خطأ استراتيجيا اخر، فهو الاعلان السياسي على الانتقال من المطالبة بالمشاركة في الانقلاب الى التسليم لصاحبه و فسح المجال له و الانسحاب الى المربع الاجتماعي .
وقد مهد نص هذا البيان للقرار اللاحق القاضي بالمشاركة في الاستفتاء مع ترك حرية التصويت لضمير النقابيين ،وهي مساندة سياسية صريحة للاستفتاء، برغم كل التحفظات الإنشائية .
ومرة أخرى تخطيء قيادة المنظمة القراءة ،فهي لم تفهم سعيد، و هي تتجاهل ان الانقلابات لا تقاوم في التفاصيل،وهي أيضا تخطيء في الحساب اذ انها لن تجني شيئا في الجانب الاجتماعي مع حاكم سيستنزف قواها في الإضرابات ويضعها في مواجهة مباشرة مع “الشعب ” ،كما انها لن تنجو من خطة الاستهداف القادمة رغم كل الوساطات الجارية .ان سعيد بصدد تفكيك كل ما هو منظم ،وهو في ذلك لا يميز بين “الطيبين “و “الأشرار ”
- الاتحاد ودساتير سعيد :
ان النقاش المنهجي بخصوص طبيعة المعركة الحاصلة ان كانت مع الانقلاب ،ام مع منهجية ادارته، ام مع نص الدستور ،ان هذا النوع من النقاش غير مفيد ،فقد اختارت قيادة المنظمة التموقع على قاعدة الانقلاب ، وقد سبق ان تعرضنا الى مآزق عقلها السياسي في هذا الباب في فقرة “إدارة التدحرج “، ومع ذلك نبدي عددا من الملاحظات التي نعتبرها الأكثر أهمية حول الوثيقة التي نشرتها المنظمة بتاريخ 8 جويلية والتي تتضمن تفاعلها مع مشروع الدستور:
-الفجوة بين المضمون و الموقف :يفترض في العقول ان تكون منسجمة فترتب النتائج على مقدماتها .غير ان المطلع على وثيقة “الملاحظات ” يشكك في هذه المسلمة ،اذ ان الرفض الجوهري لمنهجية اعدادها كما لمضمونها يدفع الى توقع موقف يرفض الاستفتاء أصلا ،او على الأقل يدفع الى التصويت بالرفض ،ولكن هذا لا يحصل .مرة أخرى رفع الصوت قد يخفي رخاوة الموقف .
-التفصي اللاأخلاقي من مسؤولية المرحلة:
تتكرر في ثنايا النص التقييمات العدمية للمرحلة السابقة و التفصي من أي مسؤولية فيها .
وهنا نجد أنفسنا امام اكثر من فرضية :
فان كان الموقف تعبيرا عن قناعة القيادة النقابية فهو سقوط أخلاقي .
وان كان ركوبا على موجة ترضية الانقلاب فهو رهان خاطئ .
و ان كان استجابة لضغوط الخط المهيمن في القيادة فهو علامة الى تحول المنظمة إلى مجرد تعبيرة حزبية وشبكة مصالح .
-الخلفية غير الديموقراطية :
تكرر أيضا في ثنايا النص ذكر توصيفات نوع “القوى الوطنية الصادقة ” في سياق عتاب الحاكم على عدم تشريك مثل هذه القوى في الحوار ،ودعوة إضافية الى تدارك الموقف .
من حق أي كان ان يصنف خريطة القوى كما يشاء ،ومن حقه ان يحدد مقاييسه الذاتية في نسج علاقاته في الساحة ،غير ان تحديد قائمة الأطراف التي يمكن ان تشارك في اجتراح الحلول عند الازمات الكبرى فليست عملية مزاجية ،ولا مهمة يكلف بها البعض نفسه .انها تخضع ببساطة لمعيار الحكم الشعبي المعبر عنه في الانتخابات ،اما من يتجاوز هذا المعيار فقد يطلب منه الاقتصاد في تأكيد الانتساب الى الديموقراطية .
-نقص التواضع العلمي :
اجدد مرة أخرى التأكيد انني غير معني باي نسخة من نسخ سعيد ،ولا باي نسخة من هذه المعروضة في السوق ، وان الدستور الوحيد الذي انتسب اليه قبل وبعد جويلية هو دستور الثورة لما يرمز اليه عندي من تشاركية في البناء، و من قدرة على التعبير عنا ،كتونسيين بتنوعنا ،في لحظة مهمة جدا من تاريخنا،كما اني اجد فيه نفسي فكريا بما ينسجم ، او لا يتناقض، مع ضميري الديني .
كما أؤكد إدراكي لخطورة استناد سعيد بعقليته الحرفية الحدية للمرجعية الدينية .
كنت اتفهم ان تتعرض المنظمة لهذا الفصل الذي يهدد التوازنات الأكثر صلابة التي حققناها في دستورنا ،ولكن لفت نظري هو التفاعل الأيديولوجي المتطرف مع الفصل الخامس من دستور سعيد ،والذي يحيي الصراعات و يتصور انه بامكانه ان “يسرق “شيئا في لحظة مناسبة ،اذ عرف نص هذه القيادة “الدولة المدنية” باعتبارها” دولة قائمة على الفصل بين الدين والدولة “،كما أبدى النص إنزعاجه من ان يكون” العامل الديني عنصرا من عناصر الحياة السياسية و القانونية للدولة وهو ما يشكل تهديدا جديا وخطيرا لسيادة القانون ولمنظومة الحقوق والحريات وللمواطنة و المساواة و للطابع الوضعي للنصوص التشريعية”.او كما قال في فقرة الخلاصة من ان دستور سعيد “فتح مجالا واسعا للدين كعنصر أساسي في الحياة السياسية والقانونية”.
سنعود في فقرة لاحقة من هذا النص للنقاش الفكري الذي فتحه دستور سعيد و خاصة موقع الدين في الدولة و القانون و المجتمع ،ولكني اسأل من صاغ هذه الفقرة ،اذ الظاهر ان البيان المنشور هو تجميع بفسيفساء النقابة،اسأل :لماذا هذا التساهل و هذه القطعية في الاحكام ؟اذن بكل بساطة ،وبعد كل الصراعات ومحاولة البحث عن التطمينات المتبادلة ليس فقط بين مكونات النخبة التي لا تتجاوزبضعة عشرات الالاف وانما أيضا جماهير لها مزاجها الثقافي الخاص الذي يتجاوز أحيانا الالتزام الديني و أحيانا حتى الإيمان الديني .
ويصبح النص اكثر مدعاة للإشفاق حينما يصبح تاثير الديني في الدولة و القانون خاضعا لنسب تقاس ،ترفض او تقبل .
يبدولي ان سعيد بصدد نصب فخاخه لتحويل وجهة المعركة ،وللأسف فان كثيرون يجارونه .
ومع ذلك فلعله يكون مطلوبا منا ان نتحلى بكثير من التواضع و التنسيب عند مناقشة هذه المواضيع الشائكة التي ستصاحبنا طويلا .
منذ قرن كامل (1927) أعلن” ويرنر هايزنبرغ”احد اباء الفيزياء الكمية مبدأ الريبية(Principe d’incertitude (
التي يتجاوز قطعيات علوم الفيزياء الكلاسيكية.فان صح ذلك في العلوم القابلة للقياس فأحرى ان نتحلى بتلك الروح في النقاش الفلسفي و في مباحث العلوم الإنسانية، فذلك أيضا احد مقتضيات الخلق الديموقراطي .
الخلاصة :
-ارجح ان يكون الاتحاد العام التونسي للشغل على طاولة تشريح الانقلابي ،والموقف الديموقراطي الوحيد المقبول هو التصدي لهذا السلوك بكل ما نملك ،اذ لا يمكن تبرير اللجوء الى قوة الدولة لتكييف المشهد السياسي و المدني ،مهما تباينت المواقف و التقديرات .
-اتفهم التقديرات التي تبحث عن ترتيبات مؤقتة لمحاولة تجاوز حالة الانسداد ،وتغليب البحث عن المشتركات و ان قلت على التحاليل الراديكالية .
-للأسف ،لا اشاطر هذه الرؤية ،ولا ارجح وجود حلول في المدى القريب ،و ستجد “الدولة “طريقها لتجنب الاسوء ،أي الانهيار ،و لكن “تصحيح المسار “سيأخذ وقتا .
-أولى خطوات تصحيح المسار تبدا بالنقد الجذري و التحليل العميق الذي استهنا في بداية الثورة.
-من هذا المنظور اعتبر اتحاد الشغل في صيغته الراهنة من قوى الماضي ،و قد اهدر فرصة التجديد التي اتاحتها الثورة .
-الاتحاد منظمة غير ديموقراطية (معركة الفصل 20في الاتحاد مثل معركة الفصل 31 التي افتعلها متنفذو النهضة مثل معركة الفصل 80 في البلاد ،مثل التمديد بودربالة لهيئته في المحاماة مثل المحاولة الفاشلة للانقلاب في اتحاد الكتاب )،وهي مختطفة من أقليات أيديولوجية،و مكبلة بعوائق شبكات المصالح.
-قد يكون مناسبا لكثير من المعنيين بالشان العام ويبحثون عن مظلة ان تكون لهم الجراة لولوج السياسة من بابها المباشر ،فالتستر يشوش على مسار بناء الديموقراطية ،وقد لا يكون هو الموقف الأفضل أخلاقيا