29 ديسمبر 2024

أمجد توفيق: السيناريست

أمجد توفيق

رواية (سيناريست) للروائي خالد شوكات تقع في 174 صفحة من القطع المتوسط، صادرة عن منشورات المصير 2022 .
الرواية تشير إلى رحلة شبه اجبارية يقوم بها كاتب سيناريو من العاصمة تونس إلى قرية نائية في جنوب تونس ، للتفرغ لكتابة سيناريو فيلم تأجل موعد تقديمه لأسباب تتعلق بالوضع النفسي للكاتب.
عبر ضمير المتكلم يقدم الروائي صورة حية لطبيعة سفرته المضنية ، والخط الذي سلكه، والمفارقات التي تصادفه في القطار وصولا إلى بيت صديقه الذي نظم السفرة إلى قريته وبيته الفارغ فيها.
تنثال ذكريات الشخصية الرئيسة في الرواية، علاقته بأسرته، حبه للسينما، طريقة زواجه، والأهم طبيعة اختياراته للمفاتيح الأساسية التي تؤثر فيه ويحكي عنها بكثير من الاعجاب..
خلال فترة بسيطة من حياته في بيت صديقه لإنجاز السيناريو الموعود، يتعرف على فتاة متخصصة بدراسة الوضع الاجتماعي في الريف التونسي، ثم لا يلبث أن يغرم بها برغم فارق السن بينهما فهو في الخمسين من عمره ومتزوج وله أولاد.
العلاقة الجديدة تكتسب ملامح القدر، فهي علاقة روحية خالصة تمت عبر وعي مشترك بما يجمع بين الحبيبين وما يفرق بينهما أيضا. لتنتهي كما بدأت بطريقة عصية على مناقشة منطقية، لكنها متطابقة مع النهج الروحي المتسامي عن عقد الواقع.
عبر قصص حب ريفية تحكيها حبيبة لحبيبها كمال ، قصص تحاول الاستفادة من طريقة ألف ليلة وليلة في رواية الحدث، يتعرف كمال على الجذر الحي الذي يلامس قلب سكان الريف، ولكنه يدرك أن مثل هذه القصص لن تكون مناسبة لمشروعه في الكتابة.
وتشير عليه حبيبته قبل أن تغادره إلى لا عودة أن السيناريو المنتظر هو علاقتهما ببعض. وهنا تتحقق ولادة مشروعه الذي جاء من أجله.
الرواية منحت ثلثي مساحتها لسفرة كمال وعلاقته بحبيبة، ومنحت ثلثها الآخر في بحث طبيعة الاحتجاجات على نظام الحكم، والمحركات الأساسية التي يمكن أن تضمن النجاح لعملية التغيير ، وهي عملية معقدة في ظل نظام قمعي.
الروائي يؤكد على القدرة الفذة للشباب المتعلم الذي استطاع أن يحول اجراءات الحكومة لإبعاده عن السياسة إلى طريقة للتدريب على النيل من النظام عبر اجراءاته عينها ، فالتشجيع على الاهتمام بالرياضة والملاعب وفر الفرصة للتدريب على مواجهة قوى الأمن عبر أعداد كبيرة لا طاقة لهذه القوى على الاحاطة بها .
تنتهي فترة وجود كمال في القرية النائية بعد تعرضه إلى مضايقات عناصر النظام لتكون عودته مقترنة بهروب رأس النظام وانتصار الثورة ، برغم أن الثمن كان فادحا إذ تعرض إلى رصاصة استقرت بجانب القلب ولم ينج منها إلا بأعجوبة.
وبهذا حقق كمال كاتب السيناريو مجموعة ولادات، ولادة الحب، وولادة موضوع الكتابة، والولادة الجديدة بعد تعرضه للرصاص، والأهم من كل ذلك هو إعادة اكتشاف نفسه وتلك هي الولادة الكبيرة.
الرواية ممتعة، وذات بناء سلس استغرق ستة وثلاثين مقطعا، وهي تتوفر على ملامح صوفية من خلال الحكايات التي تضمها فضلا عن اختيار الأشعار والحكم والأمثال الموزعة داخلها.
رواية (السيناريست) للروائي خالد شوكات تستحق التحية والإشادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.